الأحد 04 مايو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   منوعات

"معبودة الجماهير" شادية... اعتزلت الفن بعد الليلة المحمدية

Time
الاثنين 27 أبريل 2020
View
5
السياسة
نجمات الشباك (04 من 14)

القاهرة - محمد حليم:

احتشد الجمهور في مطار القاهرة لاستقبال الفنانة الكبيرة شادية، بعد أن أعلنت الصحف عن عودتها إثر رحلة علاجية في أميركا، عقب معاناتها من ورم، في مشهد يكشف شعبيتها الكبيرة ونجوميتها غير المسبوقة، فهي المطربة والممثلة التي حفرت اسمها في تاريخ الفن.
في سبتمبر 1986، عادت "معبودة الجماهير" كما اشتهرت فنيًا إلى منزلها غامرة بالفرح ناسية قلقها من مخاوف المرض وتقدم السن، لتلمع عيناها وهي تستعيد ذكريات الفن عبر سنوات طويلة ونجاحات لا توصف جعلتها نجمة الشباك الأولى على مدار عقود، لكن الحياة الفنية الرائعة التي عاشتها كانت مليئة بالأحداث المفرحة ولحظات من خيبة الأمل والحزن.

* اكتشفها حلمي رفلة ومحمد فوزي.. و"العقل في إجازة" أول أفلامها
* عشقت كمال الشناوي وشكلت معه "دويتو" لكنه ارتبط بشقيقتها عفاف
* تزوجت عماد حمدي وصفعة أمام أصدقائها أدت إلى الانفصال
* صلاح ذو الفقار حبها الكبير وظلت تتذكره حتى بعد الطلاق
* برعت في تجسيد روايات نجيب محفوظ في السينما.. ودعمت ثورة يوليو
* تألقت مع عبدالمنعم مدبولي وسهير البابلي في مسرحية "ريا وسكينة"


شادية وكمال الشناوي "دويتو" ناجح


"انت حبيبي" مع فريد الأطرش


في 8 فبراير 1931 وُلدت فاطمة أحمد كمال شاكر "شادية فيما بعد" بمنطقة الحلمية المجاورة لحي عابدين، لأب مصري يعمل مهندسًا زراعيًا، وأم من أصول تركية، وبحكم أن ابنتهما هي آخر العنقود لاقت من الدلال ما جعلها تطل على الجمهور كفتاة دلوعة تدخل المرح والبهجة إلى القلوب. انتقلت شادية بحكم عمل والدها إلى محافظة الشرقية، وقضت سنوات في الريف المصري ما أثر في تكوينها الشخصي، لتعود بعد 5 أعوام إلى القاهرة مجددا إلى مكان آخر مفعم برائحة التاريخ العتيق بشارع طوسون باشا، كانت وقتها في السادسة من عمرها لتلتحق بمدرسة شبرا، تميزت فيها بالمحبة وخفة الروح.
تتذكر "معبودة الجماهير" أولى البوادر الفنية حينما كانت بمدرسة شبرا للبنات، تميزت بصوت رقيق قادر على الغناء والابتهال وترديد الأناشيد بعذوبة وجمال، بحكم سنواتها التي قضتها في الُكتاب تستمع إلى تلاوة القرآن الكريم وتتعلمه، وكذلك من خلال الأغنيات التي تسربت إلى أذنيها لكبار المطربين أمثال محمد عبدالوهاب، أسمهان وفريد الأطرش، غير أنها في تلك الفترة كانت شقيقتها عفاف، التي تكبرها بعشرة أعوام بفرقة "رمسيس" ليوسف وهبي وعملت معه في الفقرات الموسيقية خلال المسرحيات المختلفة، وتميزت بأداء أغنيات ليلى مراد وبما سمعته من شقيقتها الكبرى لتعود إلى المدرسة تجلس على الأريكة تغني ما سمعته فحظيت بشهرة مدرسية، ما جعلها تحب الفن وتتعلق به أكثر.
صارحت الطفلة فاطمة والدها بما تمتلكه من موهبة وبداخلها رهبة من رفضه طلبها، وبحكم حب والدها لها كونها آخر العنقود جاء رده على عكس ما توقعت، فكانت فرحته بها كبيرة وأحضر لها مدرسًا للموسيقى لتتعلم أساسيات الغناء.

"أزهار وأشواك"
ظلت شادية تستعيد ذكرياتها، ومن مدرسة شبرا انتقلت إلى فيلم "أزهار وأشواك" الخطوة الأولى في حياتها الفنية، حيث أدت فيه دور دوبلاج في مشهد بسيط وكانت بصحبة شقيقتها الكبرى عفاف شاكر، مجرد مشاركة رمزية، ولم تشعر من خلالها بأي أثر، لكنها فتحت لها الباب لمعرفة المخرج حلمي رفلة والفنان محمد فوزي، اللذين أخذا بيدها إلى فيلم "العقل في إجازة" العام 1947، وهو يعد البداية الحقيقية لها. تتذكر اللحظات التي كانت تقف فيها أمام الكاميرا، وتقلد الفنانة ليلى مراد حينما كانت تشاهد أفلامها بالسينما، وبداخلها شعور بالارتياح في هذا الطريق الجديد الذي ستسلكه، وكان اسمها الفني الذي اختارته لنفسها هدى، لكنها ذات مرة حضرت حفل إحدى صديقات أمها واقترحت عليها أن تغير اسمها إلى شادية، وإن اختلفت الروايات في هذا الأمر، فهناك من يقول أن مكتشفها المخرج حلمي رفلة هو من اختاره لها، وهناك أقاويل تؤكد أن الفنان عبدالوارث عسر هو من اختاره لها، لأنه عندما سمعها قال أنها شادية الكلمات.

"بشرة خير"
في هذه المرحلة استقرت شادية على اسمها الفني، وشكلت تجربتها السابقة مع حلمي رفلة ومحمد فوزي انطلاقتها الحقيقية، التي أخذتها إلى عالم الغناء والتمثيل، بدأت تحلم بالنجومية وحب الجمهور، وانتقلت إلى فيلم "الروح والجسد" في المشاركة الثانية لها، من إخراج حلمي رفلة، ثم إلى فيلم "ليلة العيد" بعد سنة، لتنتقل إل مشاركة محمد فوزي عمله "صاحبة الملاليم" العام 1949، وكلها كانت مجرد مشاركات مبشرة بنجومية مطلقة لمراهقة لا تتعدى الـ 17 عامًا.
عرفت شادية بهذه التجارب وبدأ اسمها ينتشر جماهيريًا، وساعدها على ذلك أداؤها الأغنيات الخفيفة، التي لحنها محمد فوزي مثل "بين صيف وشتا يا غرام"، و"يجي الربيع الباسم" من كلمات أبو السعود الإبياري، وغنتها بمشاركة فوزي وإسماعيل يس، وحين بلغت شادية 19 عامًا التقطها المخرج الكبير حسن الإمام، ليصنع ثنائية خاصة برؤيته الفنية بين شادية وكمال الشناوي في فيلم "ساعة لقلبك"، واستمرت في أفلام في "الهوا سوا"، "بين قلبين"، "حياتي أنت"، "قليل البخت"، "مغامرات إسماعيل ياسين"، "المرأة المجهولة"، "ارحم حبي"، "عش الغرام"، "ليلة الحنة"، "الحقوني بالمأذون"، وغيرها الكثير، وأدت وقتها أغنية "سوق على مهلك" في فيلم "بشرة خير".

"شئ من الخوف"
كبرت شادية وصقلت موهبتها بالخبرة اللازمة، وأثناء جلوسها مع نفسها تذكرت الفترة التي تحولت فيها إلى نجمة شباك لها شعبية كبيرة، لكن الحدث الأكبر الذي غير حياتها في هذه الفترة كان ثورة يوليو، التي شكلت المرحلة الأهم في تاريخها، لتتحول بعدها إلى شخصية فنية مؤثرة في المجتمع وتتناول القضايا الهامة.
بدأت تلك الفترة بفيلم "يسقط الاستعمار" بعد قيام الثورة دعمًا لها في ديسمبر 1952، واستمرت في مرحلة الخمسينات والستينات تقدم العديد من الأعمال الفنية المؤثرة مثل "الأم القاتلة"، "ظلمت روحي"، "أنا وحبيبي"، "اللص الشريف"، "بائعة الخبز"، "بنات حواء"، "المرأة المجهولة"، "لوعة الحب"، وظلت تقدم في حياتها الفنية البطولات المختلفة التي ضمت نحو 150 عملًا فنيًا، عرفت فيها عالم يوسف شاهين في أفلام "بابا أمين وجميلة"، وتألقت فيها مع شكري سرحان في "شباب امرأة"، ثم أبدعت مع محمود مرسي في "شيء من الخوف" العام 1969 وهو واحد من ضمن أهم 100 فيلم مصري وأدت فيه دور "فؤادة"، وقبله حققت النجاح البالغ في "معبودة الجماهير" العام 1967 بدور "سهير" التي تحب العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.

"أغلى من حياتي"
رغم سعادتها بتذكر مراحل حياتها والنجومية الكبيرة وحب الجمهور لها، إلا أن شادية أيضًا وقعت في الحب مع الفنان كمال الشناوي، الذي حققت معه نجاحًا فنيًا كبيرًا، لكن هذا الحب لم يكتمل لزواجه من شقيقتها عفاف شاكر، ثم شكلت مع عماد حمدي حالة فنية خاصة انتهت بزواجهما رغم أنه يكبرها بـ22 عامًا بعد قصة حب نشأت في أعمالهما الفنية المختلفة "ارحم حبي"، "الظلم حرام"، "أقوى من الحب"، "ليلة من عمري"، و"شاطئ الذكريات"، واستمر زواجهما 3 سنوات انتهت بصفعة حمدي لها أمام أصدقائهما في إحدى الحفلات بسبب غيرته الشديدة عليها، مما أدى إلى انفصالهما في العام 1957، ولم تنجب منه أطفالًا.
تزوجت بعد عام واحد من المهندس بالإذاعة عزيز فتحي، ولكن هذا الزواج لم يستمر سوى عام وحدث الانفصال.
في العام نفسه شكلت ثنائيتها الأشهر والأهم والأقرب إلى قلبها وقلب الجمهور، حينما تعرفت على الفنان صلاح ذو الفقار في فيلم "عيون سهرانة"، ثم شاركته "أغلى من حياتي"، الذي تدور أحداثه حول قصة حب بين "منى" و"أحمد" لكن تقف الظروف عائق لنجاحها، إلا أن القدر يشاء أن يلتقيا بعد أعوام مرة أخرى ويتجدد الحب في قلبيهما ويتوج بالزواج، وخلال فترة زواج شادية وذو الفقار في الحقيقة، قدما معًا أفلام "مراتي مدير عام"، "عفريت مراتي"، "كرامة زوجتي"، حتى فرقت بينهما المشكلات وانتهى زواجهما بالطلاق العام 1969 بعدما فقدت جنينها في فترة الحمل، ورغم ذلك ظلت تحبه.

"أنا وحبيبي"
تعاونت شادية مع الكثير من الملحنين، أبرزهم منير مراد صاحب القدر الكبير من أغانيها لفهمه طبيعة شخصيتها، التي درسها مع دراسته لإمكانيات صوتها، فقدما معا أجمل الأغنيات بداية من "واحد اتنين" في فيلم "ليلة الحنة" العام 1951، ثم في دويتو "أنا وحبيبي"، وغيرها من الأعمال الغنائية الخفيفة التي لا تزال خالدة ويرددها الكثيرون.
كما كان لمحمود الشريف التأثير البالغ على شادية، حيث قدما معا العديد من الأغنيات، تعاونت أيضا مع رياض السنباطي في أغنيات فيلم "ليلة من عمرى" مثل "أنا وأنت لوحدنا"، "3 شهور ويومين اتنين"، ومع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب شاركت في أوبريت "الجيل الصاعد" و"وطني حبيبي"، كما لحن لها منفردًا بعض الأغنيات، كذلك شاركت الفنان فريد الأطرش الدويتو الشهير "يا سلام على حبي وحبك"، وتعاونت مع كمال الطويل ومحمد الموجي أيضًا؛ إلا أنها في فترة ما امتنعت عن الغناء لكونها لم تجد جديدا ولكي تثبت أنها لا تعمل في السينما بصوتها كمطربة ولكن لأنها موهوبة في التمثيل، ويؤكد ذلك قيامها ببطولة أعمال عدة لم تغن فيها. وظلت بالفعل مبتعدة عن الغناء لفترة حتى جاء بليغ حمدي، الذي أعادها لتؤدي ألوانًا مختلفة من الغناء جمعت بين الطربي والعاطفي مثل "آه يا أسمر اللون"، "قولوا لعين الشمس"، "خلاص مسافر"، واعترفت شادية بذلك حين قالت: "الأستاذ بليغ أعادني إلى الغناء مرة أخرى بعدما امتنعت عنه بسبب عدم وجود جديد".

"ميرامار"
عادت شادية بالأحداث وهي هائمة في بحر ذكرياتها إلى نجيب محفوظ، وشعرت بفضله في نجوميتها المطلقة، التي جعلت هذا الحشد ينتظرها في المطار، فكانت بطلة رواياته التي تحولت لأعمال فنية، فجسدت دور "نور" في رواية "اللص والكلاب" العام 1962 مع الفنانين شكري سرحان وكمال الشناوي، ثم دور "حميدة" في "زقاق المدق" العام 1963 عن فتاة يتيمة تعيش ظروف مادية صعبة وتسعى من خلال العمل للثراء، ووصف نجيب محفوظ أداءها لهذا الدور: "شادية جعلتني أشاهد حميدة على الشاشة وكنت أشعر بكل خلجة من خلجات الشخصية تمشى أمامي على الرغم من تخوفي الشديد من قدرتها على تجسيد الدور عند ترشيحها له، وشعرت لأول مرة أن الشخصية التي رسمتها على الورق أصبحت حقيقية تتحرك أمامي على الشاشة، وكانت "حميدة" في زقاق المدق صورة لقدرة فائقة لفنانة لا أتصور غيرها قادر على الإتيان بها، وأتصور أنها بمفردها تستحق الحصول على جائزة الأوسكار في التمثيل".
واصلت شادية انطلاقها لتؤدي بعد ذلك دور "كريمة" في رواية "الطريق"، حيث تقع في حب "صابر الرحيمي" رشدي أباظة، البطل الذي يبحث عن والده، ثم إلى دور "زهرة" في رائعة "ميرامار" وهي عن ريفية هربت من قريتها بسبب ضغط الأهل عليها للزواج من شاب لا تحبه، وقد نالت هذه الأعمال جماهيرية كبيرة تسابق عليها الجمهور لمشاهدتها في دور العرض المختلفة.

"لا تسألني من أنا"
رغم النجومية الكبيرة التي حققتها شادية؛ إلا أن حبها للفن جعلها تبحث عن تقديم أعمال جديدة، فهي كانت تريد دومًا أن تمتع الجمهور بفن مختلف، فاستمرت في السبعينات وقدمت عددا من الأفلام الأخرى مثل "نحن لا نزرع الشوك"، "لمسة حنان"، "أضواء المدينة"، "رغبات ممنوعة"، "ذات الوجهين"، "امرأة عاشقة"، وحظيت هذه الأعمال برضا وإقبال الجمهور.
ظلت "معبودة الجماهير" صاحبة الموهبة النادرة في عطائها للفن حتى بعيدًا عن السينما، فكانت النقلة الأخرى العام 1982 عندما قدمت مسرحيتها الوحيدة "ريا وسكينة" بمشاركة سهير البابلي وعبدالمنعم مدبولي، وحققت المسرحية نجاحًا كبيرًا في تاريخ المسرح المصري، وإيرادات ضخمة رغم وجود جيل صاعد وقتها استحوذ على أداء البطولة في الأعمال الفنية؛ إلا أنها ظلت كما هي في صعود متواصل، في نفس الفترة قدمت فيلمها الأخير "لا تسألني من أنا"، وجسدت فيه دور أم تعاني من الفقر فتلجأ لبيع ابنتها لإمرأة ثرية، والفيلم من تأليف الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس.
تغمر الابتسامة وجه شادية وهي تتذكر كل هذه الأيام الجميلة التي قضتها في حب الفن، لكنها تغوص أكثر في وادي ذكرياتها لتعود للأيام المظلمة، فأثناء عملها في مسرحية "ريا وسكينة" ظهر ورم في جسدها، استشارت على وجه السرعة الطبيب الذي قام بإجراء الفحوصات وتبين أنه كيس دهني، نصحها على إثره أن تذهب إلى أميركا في رحلة علاجية لإزالته وإعادة إجراء الفحوصات منعًا لوساوسها، ورغم يقينها بأن الحب هو العلاج لكل الأمراض، سافرت وأجرت المطلوب منها واطمأنت على نفسها، وشعرت بالصحة تغمرها عندما وجدت الحب في انتظارها متمثلا في الجمهور، الذي جاء ليتأكد من سلامتها بنفسه في مشهد حافل بالمحبة والتقدير لمعبودة الجماهير التي ظلت تمتعه سنوات طويلة.
نامت شادية بعد ليلة حافلة في الغوص في بحر ذكرياتها، لتستيقظ معلنة أن تستمر في حياتها الفنية بفضل هذا المشهد، وذلك بعدما راودتها أفكارًا بأن تنهي حياتها الفنية خلال رحلتها العلاجية، وعادت وقدمت أغنية "يا حبيتي يا مصر" في احتفالات نصر أكتوبر العام 1986، ثم اتخذت طريقًا جديدًا بتقديم الأغنية الدينية "خد بايدي" في حفل الليلة المحمدية، وبعدها قررت أن تعلن اعتزالها الفن، وبررت ذلك بأنها أدت رسالتها كاملة خلال أعمالها المختلفة، وجاء الوقت للتفرغ للعبادة مرتدية للحجاب.
رحلت المرأة الطموحة والفتاة الدلوعة في 28 نوفمبر 2017، بعد إصابتها بجلطة في المخ، عن عمر يناهز 86 عامًا، رحلت بجسدها وبقي فنها واسمها على بوسترات أفلامها بحجمه الكبير الذي استحقته كنجمة شباك وسط كبار النجمات في زمنها.
آخر الأخبار