السبت 05 أكتوبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   منوعات

"ملكة الإبهار" داليدا ... ابنة شبرا صارت "أيقونة" الغناء الفرنسي

Time
السبت 08 أبريل 2023
View
5
السياسة
* لم تحقق النجومية في هوليوود الشرق فألقت نفسها في مجهول باريس
* صدحت بلغات عدة وأجادت اختيار الكلمات وأعمالها تصدرت التصنيفات
* بدلت ملابسها 12 مرة في حفل واحد... وأذهلت الجميع بغنائها ورقصها
* وطدت علاقتها مع الجمهور العربي بـ "حلوة يا بلدي" و"سالمة يا سلامة"
* يوسف شاهين أعاد اكتشافها درامياً في فيلم "اليوم السادس"
* تخليد ذكراها بتمثال في ساحة باسمها وطابع بريدي و500 أغنية


شاركت في فيلم "سيجارة وكاس"







القاهرة ـ أحمد أمين عرفات:

بلغت قمة النجومية وكادت تلامس السحاب، بعد أن اخترقت بصوتها القوي وموهبتها الاستثنائية، القلوب في شتى أنحاء العالم، وحازت أكبر وأهم الجوائز العالمية، إنها الفنانة والمغنية العالمية المصرية داليدا، والتي رغم رحيلها منذ سنوات طويلة، إلا أنها مازالت حاضرة بين الملايين يستمعون لأغنياتها ويشاهدون فيديوهاتها بعيون عشقت طاقتها الجبارة على المسرح، وهي تؤدي أغنياتها المتميزة التي لاقت نجاحا ساحقا ووزعت اسطواناتها عشرات الملايين في أرجاء العالم، خصوصا أنها غنت بمختلف اللغات، ما فتح لها الأبواب لتصل إلى الجميع وتعتلى عرش النجومية.
نستعرض هنا رحلة داليدا، الذاخرة بكل ألوان الدراما والإثارة، والمليئة بالدموع والضحكات، والحافلة بالفشل والنجاحات.
ولدت داليدا أوائل العام 1933، في حي شبرا بالقاهرة، لأب وأم مصريين من أصل إيطالي، كان والدها عازف كمان في دار الأوبرا المصرية، فنشأت في جو موسيقي وبيئة فنية، هي الابنة الوسطي بين شقيقين، لكن في الوقت نفسه كانت أسرتها تتسم بالالتزام ومراعاة التقاليد كغالبية أهالي شبرا، ويشاء القدر أن يختطف الموت رب الأسرة، فتجد الأم نفسها بلا عائل ينفق عليها وعلى أبنائها الثلاثة، فبدأت حياكة الملابس، لكن مع زيادة أعباء الأسرة وارتفاع تكاليف المعيشة، اضطرت لدفع ابنها الأكبر إلى سوق العمل، ومن بعده داليدا التي جعلتها تتعلم الآلة الكاتبة، ما أهلها للعمل سكرتيرة في إحدى شركات الأدوية، وهو ما أحزنها، لأن أحلامها بعيدة تماما عن هذا العمل الذي لا تريد أن تدفن فيه عمرها، فهي منذ طفولتها تحلم بأن تكون ممثلة، ولكنه بات حلما غير قابل للتحقق بسبب ظروفها الصعبة، فعملها لا يسمح لها بحرية التنقل حتى تزور مكاتب الإنتاج الفني وتقدم نفسها لصناع السينما، عسى أن تجد من يكتشفها كممثلة.

ملكة في السر
لازم اليأس داليدا، إلى أن رأت شعاعا يتسلل إلى حياتها ويعيد النبض لأحلامها ثانية، عندما قرأت في إحدى الصحف عن مسابقة ملكة جمال مصر، لأن فوزها فيها يعنى أن تكتب عنها الصحف، فتنال الشهرة التي تجعل المخرجين والمنتجين يهرعون إليها، كما حدث مع العديد من الفنانات من قبل، فقررت داليدا المشاركة في المسابقة دون إبلاغ أسرتها لعلمها علم اليقين أنها لن توافق وتحديدا أمها التي تخشى كلام الناس وتخاف من اتهامها بالتقصير في تربية ابنتها، خصوصا أن المسابقة تشترط الخضوع للتصوير بالمايوه.
شاركت داليدا في المسابقة أوائل الخمسينيات، وكانت المفاجأة أنها فازت بها وهي على أعتاب العشرين من عمرها، لتفاجأ أمها بمن يبلغها أن صور ابنتها تتصدر الصحف، فكانت صدمة كبيرة، لكنها رضخت للأمر الواقع ازاء إصرار ابنتها، التي هددت بالانتحار إن حالت بينها وبين أحلامها التي أوشكت على التحقق، خصوصا أن هناك منتجين ومخرجين تواصلوا معها لكي تعمل في السينما، ومنهم منتج فرنسي نصحها باختيار اسما فنيا لأن بولاندا جيجليوني، وهو اسمها الحقيقي لا يصلح في الفن، ولكونها تشبه كثيرا الممثلة هايدي لامار بطلة فيلم "شمشون ودليلة"، اختار لها اسم دليلة، الشخصية التي جسدتها هايدي في الفيلم، فبدأت حياتها الفنية بهذا الاسم، حيث شاركت بأدوار صغيرة في بعض الأفلام مثل"أرحم دموعي، الظلم حرام، سيجارة وكاس" علاوة على الفيلم الأميركي "يوسف واخوته" والذي تم تصويره في مدينة الأقصر المصرية، حيث اختيرت كبديلة في بعض المشاهد لبطلة الفيلم جوان كولينز، لكونها تشبهها كثيرا.
رغم تحقق حلم داليدا في التمثيل، إلا أن ما قدمته من أدوار لم يلفت إليها الانتباه كما تمنت، فشعرت بالإحباط الشديد، ولم يخرجها منه إلا نصيحة المنتج الفرنسي الذي سبق ونصحها بتغيير اسمها، بأن تسافر إلى فرنسا طالما ضاقت بها هوليوود الشرق، فعملت بنصيحته وتركت مصر العام 1954 رغم اعتراض أسرتها، سافرت تحمل أحلاما كبيرة بأن تكون ممثلة شهيرة.

انطلاق الصاروخ
لم تكن الأشهر الأولى في فرنسا سعيدة، إذ صادفها سوء الحظ ولم تجد فرصة كممثلة، وندمت أنها تركت مصر، فعلى الأقل كانت تمارس التمثيل ولو بأدوار صغيرة، وبعد تفكير طويل قررت العودة إلى مصر وهي تجر أذيال الخيبة والفشل، وبينما هي تجهز نفسها، شاء القدر أن تلتقي أحد الموسيقيين الفرنسيين، الذي أقنعها بأنها خلقت للغناء وليس التمثيل، وعليها ان أرادت الاستمرار والنجومية أن تصبح مغنية، ومثل الغارق في بحر لا شاطئ له ويمسك بأي شيء بحثا عن النجاة، أمسكت داليدا بالفكرة، خصوصا عندما أبدى هذا الموسيقى استعداده لتدريبها وتأهيلها للغناء، وبعد شهور من التدريب بدأت الغناء بمساعدته في بعض المسارح، في ذلك الوقت التقت مصادفة مساعد المخرج الأميركي الذي عملت معه في فيلم "شمشون ودليلة"، ولأنه من خلال الفيلم، عرف طبيعة الشخصية وما ارتبط بها من شر وغدر، نصحها بتغيير اسم "دليلة"، وبعد تفكير غيرت آخر حرفين فيه واستبدلتهما بآخر حرفين في اسمها الحقيقي بولاندا ليصبح داليدا.
حققت داليدا بعض الانتشار، فاستعان بها مسرح الأوليمبيا، ومنه انطلقت شهرتها، خصوصا عندما شاهدها في إحدى الحفلات التي شاركت بها، المدير الفني لإذاعة "أوروبا1" لوسيان موريس وكان بصحبته المنتج الموسيقى إيدي باركلي، فانبهرا بها وبطريقتها في الغناء وصوتها القوى، وقررا تبني موهبتها.
مثل الصاروخ انطلقت داليدا، وكانت أغنية "مادونا" محطة البداية الحقيقية لها، ثم جاءت أغنية "بامبينو" لتطير بها إلى سماء الشهرة، من بعدها كانت كلما حلت على أي مكان للغناء فيه يتزاحم الجمهور قبلها بساعات من أجل الحصول على تذكرة لحضور حفلتها والاستمتاع بغنائها، كذلك أصبحت داليدا الأكثر تصدرا لأغلفة المجلات الفرنسية، وبدأت الجوائز تنهال عليها ومن أبرزها "أوسكار" من إذاعة "مونت كارلو" العام 1958، والتي فازت بها على مدار سبع سنوات متتالية.
محطة أخرى مهمة في حياة داليدا، بدأتها بالخروج من فرنسا لتنفيذ جولات غنائية بمختلف دول العالم، ليتسع نطاق جمهورها وتصبح لها قاعدة جماهيرية بطول الأرض وعرضها، كما احتلت أغنياتها التصنيفات الأولى، ساعدها في ذلك قدرتها على الغناء بلغات عدة.
توالت أعمال داليدا، والتي حظيت بنجاح ساحق مثل "رقصة زوربا" وما أعقبها من أغنيات أخرى مثل Darladir ladada، وأغنية Avec le temps والتي حظيت بالنجاح الكبير، كذلك أغنيتها "He Must Have Been 18"، والتي احتلت المرتبة الأولى في تسع دول، وبلغت مبيعاتها أكثر من 3.5 مليون نسخة، في حين أن أغنيتها Gigi l'Amoroso فاقت كل ما سبقها نجاحا ومبيعا عالمياً، واستطاعت أن تحقق المركز الأول في 12 دولة، أيضا أصبح عملها "J'attendrai version 7" أغنية الديسكو الأولى في فرنسا، وتصدرت أغنية "Monday Tuesday" قوائم الغناء في دول كثيرة.

"دويتوهات"
تميزت داليدا خلال رحلتها بالذكاء الشديد وقدرتها على انتقاء كلمات وموضوعات أغنياتها، وكذلك من تختارهم ليقدموا معها "دويتوهات" مثل خوليو إغلسياس، جوني ماتيس، شارل أزنافور، وبيتولا كلارك، وأيضا آلان ديلون الذي غنى معها العام 1973 Paroles Paroles التي وصلت للمراكز الأولى ضمن تصنيفات الأغنيات، ليس فقط في أوروبا ولكن أيضا في اليابان، كما جعلها ذكاؤها لا تهمل جانبا مهما في حفلاتها وهو الإبهار، وأن الصوت وحده مهما كان قويا وقادرا على اختراق القلوب لكنه في حاجة إلى إطار من الإبهار، وليس أدل على ذلك من أنها في أوائل الثمانينيات، أحيت حفلا رائعا، إذ قامت بتبديل ملابسها 12 مرة وفي كل مرة ترتدي زياً يخطف الأبصار وهي تغني وترقص بمصاحبة فرقة تضم 30 عازفا و11 راقصا، حتى باتت الحفلة من العروض الخالدة.

جوائز
عبر مشوارها الطويل مع النجومية والنجاح حصدت داليدا، العديد من مظاهر التكريم والجوائز التي نالتها، ومنها جائزة الأكاديميّة الفرنسيّة للأسطوانات الموسيقيّة العام 1974، جائزة قاعة باريس أوليمبيا الموسيقية، جائزة أوسكار البلاتينية، جائزة غولدن شي وولف، جائزة غراند بريكس، جائزة أوسكار جوك بوكس العالمية من إيطاليا، جائزة سيكو فيولا من البرازيل عن فيلم zorba o Greco، جائزة MIDEM لأفضل فنان موسيقي مبيعا، جائزة كرنفال الصيف الفرنسية، أعلى وسام استحقاق فرنسي وهو جائزة جوقة الشرف، وجائزة الفراشة الذهبية.
رغم كل النجاح الذي حققته داليدا، إلا أنها لم تنس وطنها مصر، فكانت حريصة على تقديم أغنيات باللهجة المصرية مثل "سالمة يا سلامة"، "حلوة يا بلدي" و"أجدع ناس"، كما زارت مصر كثيرا وأحيت فيها بعض الحفلات الناجحة وسط حفاوة بالغة إذ حرص الرئيس أنور السادات، على استقبالها شخصيا في إحدى زياراتها لمصر، كذلك زارت لبنان وأيضا الإمارات التي أحيت فيها بعض حفلاتها.
وإذا كانت داليدا، في وهج شهرتها اتيحت لها الفرصة للمشاركة في بعض الأفلام العالمية مثل "حدثني عن الحب"، "اختطاف من مكتب جان ستيلي الثاني"، لكن عبر رحلتها السينمائية يأتي فيلمها المصري "اليوم السادس" للمخرج يوسف شاهين في مقدمة أفلامها، حيث أدت فيه دور فلاحة عجوز وتخلت فيه عن مكياجها وأناقتها المعهودة، لكن ذلك لم يمنع افتتان الجمهور بها وبأدائها المتميز.

أزمات عاطفية
على مدى 37 عاما، هو عمرها الفني، كانت داليدا نموذجا للنجاح، حتى انتحرت العام 1987، بسبب بعض الأزمات العاطفية التي جلبت لها المتاعب، فقد انفصلت عن زوجها المدير الفني لإذاعة "أوروبا 1" لوسيان موريس بعدما لعب دورا كبيرا في نجوميتها وذلك بعد قصة حب طويلة، جعلته يهدد بالانتحار أن لم تعد إليه، لكنها في ذلك الوقت كانت وقعت في غرام الرسام جان سوبيسكي والذي لم تدم سعادته معه طويلا بسبب انتحاره، ثم حبها للمغني الشاب لويجي، والذي دعته للغناء معها في إحدى المسابقات وبسبب فشله في الفوز، أطلق على نفسه رصاصات من مسدسه، ولم يمض وقت حتى فوجئت بانتحار أحد أصدقائها، علاوة على معاناتها بسبب حرمانها من الأمومة بعدما تسببت عملية إجهاض قامت بها في انعدام فرص حملها مرة أخرى، كل ذلك انعكس على نفسيتها وجعلها تفكر في الموت كثيرا حتى أنها قبل ان تنهي حياتها بنفسها اختارت أغنية "الموت على المسرح" لتكون آخر أغنية في حياتها، وهو ما يكشف عن أن فكرة الموت كانت تسيطر عليها، ولم يمض وقت طويل حتى انهت حياتها بنفسها، وتركت ورقة كتبت فيها: "لم أعد أطيق الحياة... سامحوني"، وبعدها تناولت جرعة زائدة من الأقراص المهدئة وأغلقت عينيها لترحل عن الدنيا إلى الأبد.
رحلت نجمة الغناء داليدا، عن عمر 54 عاما، لكن لم ترحل معها أغنياتها التي زادت على 500 أغنية، ولا حب الناس لها الذي دفعهم لإطلاق اسمها على ساحة مهمة في باريس يتوسطها تمثال كبير لها، كما أنتجت فرنسا فيلما عن سيرتها الذاتية، كذلك قامت نحاتة فرنسية، بعمل تمثال بالحجم الطبيعى لها تم وضعه على شاهد قبرها في مقبرة مونمارتر بباريس، لكي يسهل التعرف على مقبرتها من محبيها، وحرص الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران، الذي ارتبطت معه بصداقة قوية على ايفاد ممثله الشخصي للمشاركة في الجنازة باعتبارها أحد رموز الفن الفرنسي وأيقونة الغناء المتوهجة طوال عقود الستينات والسبعينات والثمانينات، وبعد رحيلها بسنوات طويلة أصدرت فرنسا طابع بريد يحمل اسمها العام 2001، كما حرص صاحب مطعم اعتادت تناول طعامها فيه كل سبت أسبوعيا، على أن يكتب على الطاولة التي كانت تفضل الجلوس عليها: "هذا المكان لن ينساك"، وهكذا تحولت هذه المغنية التي قيل أنها صاحبة الثورة في الأغنية الفرنسية إلى "أيقونة" لن تتكرر.
آخر الأخبار