منوعات
"ملكة النِّيڤا"... مختارات شعرية لأهم شاعرات روسيا
السبت 05 نوفمبر 2022
5
السياسة
صدر حديثاً عن "دار النهضة العربيَّة" في بيروت كتاب "ملكة النِّيڤا... آنا أخماتوفا"، ويضمّ الكتاب مختارات شعريّة شاملة لأهمّ شاعرات روسيا، "الإمبراطورة" التي أرعبت ستالين، وخلّدَت معاناة "مائة مليون مواطن روسيّ".ويبدأ الكتاب الذي نقلته إلى العربية وقدّمت له اللبنانيَّة أماني غيث، يبدأ بسيرة الشّاعرة التي عاشت كثيراً، وأحسّت أكثر من اللّازم، وتعذّبت أكثر ممّا قد يتحمّله إنسان، وكتبت طوال الوقت، حتّى على فراش المرض.وتَكشف غيث في هذه السيرة ما لم يُكشف من قبل عن حياة أخماتوفا ومعاصريها وتلك الفترة من تاريخ الاتّحاد السّوفياتي.شخصيّة استثنائيّة وحياة ملأى بأحداث مؤثّرة، هي الّتي قالت لأبيها "خذ اسمك، لستُ بحاجةٍ إليه" يوم اعترض على نشرها قصائدها في المجلّات، مؤنِّباً إيّاها: "لا تلطّخي اسم العائلة".بعدها ستكتب آنّا عن الحبّ، ثمّ عن اللّا حبّ، عن زيجاتها التّعسة، وما ستعيشه من مللٍ ورتابة زوجيّة، وسرعان ما ستعرف نجاحاً غير عاديّ وتنفد كتبها بسرعة خياليّــــة، لدرجة أنَّ أحد النّقّاد قال ممازحاً:"يجب أن توضــــع كتب أخماتوفا في كلّ الدّكاكين والمتاجر وليس فقط في المكتبات"، لتقوم في ما بعد الكثير من الشاعرات بتقليدها والكتابة على الطّريقة الأخماتوفية، ممّا دفعها للقول: "علّمت النساء كيف يكتبن، لكنّني لست أعرف كيف أسكتهنّ".وبدءاً من العام 1936 ستتغيّر موضوعات آنّا في الكتابة، لتتوقّف عن كونها شاعرة لا سياسية وعاطفيّة فحسب: كما كان يقال، وبدلاً من أن ترحل كما فعل الكثيرون من رفاقها، ستتّخذ قرارها "لست خائنة"، وتصبح بعد ذلك مؤرّخة كلّ ما حصل في القرن العشرين على أرضها الحبيبة."وهذا؟ هل تستطيعين وصفه؟" سؤال من امرأةٍ غريبة بشفتين زرقاوين من شدّة البرد تقف معها أمام المعتقل حيث وقفت أنّا مئات السّاعات بانتظار خبرٍ عن زوجها وابنها الوحيد، سؤال كان كافياً لتولد فكرة أهمّ مجموعات آنّا الشّعريّة.وماذا يعني الشّعر أكثر من فمٍ صغير يصرخ عن المتألّمين، وينقل عذابات المعتقلين، وبكاء النّساء، ونزف الأرض، وما لم يقله مَن جَبُن واختار الصّمت، ومَن هرب من الجوع والنّار، ومَن بكلّ بساطة لم تسعفه الكلمات.وحدها تقدّمَت من بين الجموع، عرفَت فقد الزّوج، واعتقال الابن، وموت الرّفاق، واستسلام الأحبّة، والجوع، والجواسيس، والقصائد الّتي تحترق، والكتابة بطقوسٍ سرّيّة جدّاً: أوراق صغيرة، منفضة، قدّاحة، شّاي مرّ، وهكذا، كُتبَ لأهمّ قصائد آنّا أخماتوڤا أن تحيا عن طريق الحفظ، 20 عاماً قبل أن تصبح على ورق وخارج روسيا، لتُخلّد بعدها.من شعر أخماتوفا: منذ سبعة عشر شهراً وأنا أصرخ: عُدْ! عدْ إلى بيتك. زحفتُ تحت أقدام القتَلة والجلّادين، يا بنَيّ، يا وجعي.كلّما لمحْتُ الجلّاد، يختلطَ عليّ كلّ شيء: ولا أعود قادرةً على تمييز الإنسان من الوحش، الانتظار، الإعدام..إلى متى؟ الوحدة رُميْتُ بالكثير من الحجارة، حتّى صرتُ لا أخافُها.جمعتها جميعًا وتحوّل الفخّ برجاً شاهقاً.ممتنّةٌ أنا لكلّ الّذين ساعدوني في بنائه، فليوفّروا قلقهم وحزنهم.لأنّي هنا أرى الفجر قبل الجميع.