الاثنين 22 سبتمبر 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"مملكة الذهب" جذبت العلماء المسلمين وأطماع الأوروبيين

Time
الخميس 09 مايو 2019
السياسة
إعداد - محمود خليل:


لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين.

قامت مملكة مالي على أنقاض مملكة غانة في الغرب الافريقي، اشتهرت بأكثر من اسم، منها مملكة الماندنجو، مملكة مالي، مملكة التكرور، مملكة المايذنج، الدولة الامبراطورية.
بدأ تاريخ إمبراطورية مالي، سنة 1230م، بعدما انفصلت عن مملكة "الصوصو" الوثنيين، إذ تمكن سوندياتا كيتا، ملك "كانجابا"، المعروف بـ"الملك الأسد"، اتحادا لقبائل أعالي نهر النيجر، تمكن من ضم الكثير من المناطق المجاورة، امتدت بين بلاد "برنو" شرقًا، المحيط الأطلسى غربًا، جبال البربر شمالاً، "فوتاجالون" جنوبًا، أى ضم كل أراضي مملكة غانة، قدرت مساحة المملكة في عهده بمساحة كل دول غرب أوروبا.
اختار سوندياتا كيتا عاصمة جديدة أسماها "نيامي" التي حرفت إلى "مالي" غرب نهر النيجر، بعد توسع المملكة انتقل إلى مدينة تمبكتو "عاصمة الذهب"، شيدت فيها المباني الضخمة والقصور، بنى فيها "جامع تمبكتو الكبير"، تحول مع الأيام إلى جامعة سانكوري لطلاب العلم من جميع أنحاء القارة.
تعاقب على حكم الإمبراطورية عدد من الملوك الذين كانوا يلقبون بـ "مانسا" أي السلطان أو السيد بلغة الماندي، يعتبر مانسا موسى، الذي تولى الحكم بعد اختفاء أخيه مانسا أبو بكر الذي "ركب المحيط" لاكتشافه لكنه لم يعد، أشهر وأغنى حكامها، إذ انتعشت التجارة والعلوم في عهده، وصلت الدولة في عهده إلى القمة في الاتساع والقوة.
ضمت المملكة، أربع ممالك تحكم ذاتيا، تخضع لسلطان امبراطور "مالي"، "صوصو"، في الجنوب، غانة، في الشمال، "كوكو"، في الشرق، "تكرور"، في الغرب.
نال مانسا موسى شهرته أيضا بعد رحلة الحج ي وعرفت بـ "حجة الذهب"، التي أذهلت الناس في مصر والحجاز، فبعد أن قام بإصلاحات داخلية قرر أداء فريضة الحج، ومعه مئة جمل من الذهب، في كل جمل ثلاثة قناطير، أي خمسين ألف رطل من الذهب، للإنفاق على الرحلة، كان يعطي الذهب للسكان في أي مكان يحل فيه، خصوصا في الأماكن المقدسة، في صورة هدايا أو صدقات، كما بعث إلى الخزانة السلطانية في "القاهرة"، حمْلا كبيرا من الذهب، - حسب القلقشندي، - فأكرمه السلطان بالخِلع، زوده بما يحتاج إليه من الجمال، المتاع، المئونة لتغطية سفره إلى مكة، من ثم تطورت العلاقات التجارية بين "مالي" و"مصر".
كان مانسا موسى، يقيم مسجدًا في كل مكان تدركه فيه صلاة الجمعة إذا كان مسافرًا أو خارج عاصمته، كما كتب قبل مجيئه إلى مصر إلى السلطان المملوكيخاطبه فيه بكل تقدير وإخاء، كما بعث إليه بخمسة آلاف مثقال من الذهب، ما يدل على عمق العلاقات الثقافية والتجارية بين القاهرة وغربي إفريقيا.
كما انتهز فرصة وجوده في مصر، فاشترى عددا كبيرا من الكتب الدينية أنشأ بها مكتبة تمبكتو، كما رحل معه كثير من علماء مصر، وحضر كثير من طلاب العلم الماليين إلى الأزهر، إذ كان لهم رواق في الأزهر يقيمون فيه يسمى "رواق التكرور"، كما اشترى في مكة، المدينة، القاهرة الأراضي والدور لخدمة حجاج بلاده.
يصف المقريزي مانسا موسى بقوله: "كان شاباً أسمر البشرة، جميل المحيا، حسن الهيئة، عالماً بفقه المالكية، وكان يبدو من بين صحبه حسن الهندام، مطيهم الجواد، وفي معيته ما يربو على العشرة آلاف من رعيته، وقد حمل من الهبات والهدايا ما يدهش الرائي لروعته". بينما يصفه ابن خلدون بقوله، "كان رجلاً صالحاً وملكاً عظيماً، له في العدل أخبار تؤثر عنه".
شاعت أخبار الذهب الذي حمله معه أرجاء العالم الإسلامي، ما جذب إلى بلاده الكثير من التجار والعلماء المسلمين الذي ساهموا في نهضة البلاد اقتصادياً وثقافياً، بل شاع صيته في أوروبا، ما وضع بلاده على خريطة الأطماع الأوربية.
عاد مانسا موسى بعد الحج، إلى العاصمة تمبكتو ومعه علماء من المدينة المنورة، دمشق، بغداد، القاهرة، الأندلس، ليؤسس جامعة ضخمة، مكتبة تمبكتو العملاقة، أنشأ المساجد والمدارس، شجع الفقهاء والعلماء على الحضور إلى مالي للنهوض بالتعليم، الدعوة للإسلام، تدريس علومه، ما ساهم بشكل كبير في نشر الإسلام في غرب أفريقيا، بسبب هذا الاهتمام بالإسلام توسعت مالى، تمدد نفوذها على مساحة كبيرة من أراضي السودان الغربي.
كان السلطان يوزع الأموال والذهب، على القضاة، الخطباء، الفقهاء، فقراء الناس، خلال شهر رمضان والأعياد الإسلامية، يصف "ابن بطوطة" خروج السلطان لصلاة العيد بأنه لا يقل فخامة وأبهة عن خروج خلفاء "بغداد" و"القاهرة"، كان الأهالي يواظبون على الصلاة في جماعات، يضربون أولادهم إذا ما قصروا في أدائها، إذا لم يبكر الإنسان في الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة لم يجد مكانًا لكثرة الزحام.
كان مجلس السلاطين لا ينعقد إلا بحضور العلماء ولا يبت في رأي إلا بعد مشورتهم، كانوا إذا غضبوا على أحد من الرعية استجار المغضوب عليه بالمسجد، وإن لم يتمكن من ذلك يستجير بدار خطيب المسجد، فلا يجد السلطان سبيلا إلا أن يعفو عنه، ما يدل على تقدير سلاطين "مالي" للأماكن الدينية وللعلماء.
كان أهل مالي يلزمون أبناءهم بحفظ القرآن الكريم، يضعون قيودًا من الحديد في أرجلهم إذا ما قصروا في حفظه.
آخر الأخبار