من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

محمد الفوزان

قال الطبيب المسيحي وديع فتحي:" كنت عام 1978، أعمل طبيب امتياز في قسم الحروق بالمستشفى الجامعي(الأميري )في الاسكندرية، وكنت يومئذ من الشمامسة الكبار وأستاذ اللغة القبطية، وذات يوم كنت في عنبر الحروق، وجاءت سيارات الاسعاف بمصابين إلينا، وكان مريضي أشدهم إصابة، فنسبة الحروق في جسده مئة في المئة، ويصرخ من الآلام، وكنا نعرف أنه سيموت خلال 24ساعة بناء على الخبرة، لكنني بدأت معه الاسعافات الطبية كالعادة، وأعطيته مسكنا للألم، ولما هدأ وبدأت الإسعافات قال لي بهدوء شديد جعل شعر رأسي يقف: يا دكتور انتظر، وفر جهدك وأدويتك لزملائي".
فتعجبت جدا،‏أضاف:" أنا رجل مسلم موحد، كنت ممرضا في الجيش، ودخلت الحرب وتعلمت إسعاف الحروق، وأعلم أنني سأموت حتماً خلال ساعات قليلة فلا تتعب نفسك وتضيع الأدوية هباء، ‏يكفيني الحقنة المسكنة كلما شعرت بالألم، واتركني أموت بسلام، فأنا لا أخاف من الموت، وأتمنى لقاء الله وأنا أتلو القرآن، ‏وأشاح بوجهه عني، وأخذ يرتل القرآن بهدوء، وكلما رتل ازداد هدوءاً، وفي صباح اليوم التالي لم أجده، سألت عنه الممرضات، ‏فقالت إحداهن أنه ظل يرتل القرآن حتى خرجت روحه بهدوء، ولم يطلب الا شربة ماء وحقنة مسكنة واحدة فقط، وظلت صورته في مخيلتي وما زالت الى اليوم،فيما أخذت أسأل نفسي: كيف لا يخاف من الموت، هل بسبب الإسلام، أم بسبب القرآن ؟
‏أم كليهما معاً؟
‏ما هذا اليقين، ما هذه الطمأنينة، والسلام مع الله وحب لقائه؟
‏ما هذا الدين، وما سر هذا الكتاب الذي يرتل كلماته فيزداد سكينة"؟
وقال:" لم أنس هذا الرجل حتى أسلمت بعد نحو 15عاما، وفهمت ما قاله بعد اسلامي بسنين، لما تثبّت إيماني وتعلمت القرآن الكريم و تفسيره، وكلما تذكرته أقول: اللهم ارحمه واغفر له وسامحه، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل كلامه معي في ميزان حسناته إلى يوم ألقاك".
‏في حديث صحيح قاله النبي( صلى الله عليه وسلم) عن صحابة عدة حديثه:" من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أهو الموت؟ فكلنا يكره الموت، قال: لا يا عائشة، ولكن المؤمن إذا حضر أجله بشّرته الملائكة برحمة الله ورضوانه، فيحب لقاء الله ويحب الله لقاءه، والكافر متى حضر أجله بُشّر بغضب الله وعقابه فيكره لقاء الله فيكره الله لقاءه".

إمام وخطيب
[email protected]