السبت 12 أكتوبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

منذر المدفعي: لن يرحم التاريخ كاتباً جعل قلمه بوقاً للجلاد

Time
الثلاثاء 23 أكتوبر 2018
View
5
السياسة
خروج الرّواية عن جنسها الأدبي سيحرمها من فرصة الاستمرارية

القاهرة – سماح الجمال:

نجح باقتدار في إبراز عنصر الخيال في رواياته "حراس البوابة" التي صدرت عن دار النخبة بالقاهرة، وأحدثت صدى كبيرا بين الأوساط الأدبية والنقدية، وفيها يأخذ القراء لعالم الشاب سالم الموظف بمصلحة الآثار وحياته البسيطة، التي لا تلبث أن تنغصها الصراعات الدامية بين إرهاب "داعش "من ناحية ومقاتلي الرايات السود من ناحية ثانية ، وفي نفس الوقت يفاجئ القراء بالعودة إلى قرن ونصف القرن مع شخصيات تاريخية معروفة ،وتتوالى الشخصيات وما يترافق معها من أحداث برع في سردها وتصوير أحداث النهب والسرقة والتدمير التي طالت الآثار العراقية على مدار مئات السنين حتى العصر الراهن .
حول هذه الرواية والقضايا التي تناولها من خلال أحداثها وجديده ، كان لـ " السياسة " هذا الحوار مع الروائي العربي الفرنسي ذي الأصول العراقية منذر المدفعي .
ما الظروف التي وضعتك على طريق الأدب ؟
أمارس مهنة الصحافة منذ العام 2003 ، هذه المهنة مهدت لي الظروف والجو الملائم لتحقيق طموحي الذي يتجه نحو الأدب وبالأخص عالم الرواية الذي هو بالنسبة لي عنواني الحقيقي. ولدت في منزل متخم بالكتب،فوالدي يمتلك مكتبة تجتاح برفوفها كل زوايا المنزل، ربما هذا ما جعلني ارتبط منذ صغري بالقصص التي كنت أشتريها من مصروفي اليومي، وآنذاك ولد الطموح بأن أصبح في يوم ما روائيا أو مؤلفا لقصص الأطفال، وبدأ هذا الطموح يدخل حيز التنفيذ عندما درست الأدب الفرنسي في بغداد ، فمن خلال دراستي هذه ، تعرفت بشكل معمق على تاريخ الرواية العالمية ما عزز من رغبتي بدخول هذا العالم اللامتناهي.
من الكتاب الذين تأثرت بهم وما ملاح هذا التأثير في بنائك الروائي؟
تأثرت كثيرا بالكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي الذي تعلمت من خلال أعماله الضخمة كيفية بناء العالم الداخلي والتركيبة النفسية لشخصيات الرواية. أما الروائي الكبير نجيب محفوظ فقد منحني أسلوب بناء الأحياء الشعبية وطريقة عرض الحياة الاجتماعية لشخوص الرواية.
كيف اكتشفت نفسك كروائي؟
كتبت في فترة المراهقة أربع قصص قصيرة، كانت مجرد محاولات متواضعة. وعند وصولي فرنسا كانت رغبة التأليف تلح علي، وهكذا قررت أن أبدأ بكتابة عمل أدبي أعرف به القارئ المجتمع الذي أتيت منه، وشرعت بكتابة روايتي الأولى "أيام قبل السقوط".
ماذا عن روايتك حراس البوابة" ؟
تدور أحداثها في الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاجتياح الأميركي للعراق ، وتعرض تلك المرحلة المتوترة التي مر بها المجتمع العراقي و تمثلت بانتظار المجهول بين الشك والتفاؤل ، في محاولة لتعريف القراء بالقلق الحقيقي الذي مر به الفرد العراقي خلال تلك الفترة.
لماذا جعلت بطل روايتك في السلك العسكري ؟
دخول بطل الرواية إلى السلك العسكري مكنني من عرض الواقع المتناقض الذي عاشه الجيش العراقي قبل الاجتياح الاميركي.
لكن الرواية لا تقتصر فقط على هذه الأسابيع الأخيرة .
بالطبع ، لرغبتي في تسليط الضوء على المأساة التي تعرضت لها آثار العراق خلال قرن ونصف القرن ، ما جعلني أقدم أحداث الرواية بخطي سرد متوازيين عبر شخصيتين تعيش كل منهما في عالم وزمن مختلف عن الآخر، ثم تلتقي الشخصيتان ليتم من خلال ذلك اللقاء تسليط الضوء على عمليات النهب والتخريب الذي تعرضت له كنوز البلد الأثرية، والحمد لله لاقت الرواية استحسانا كبيرا . ليس هذا فحسب ، بل تم تدريسها لمدة عامين في قسم اللغة العربية بجامعة باريس الثامنة.
هل يمكن أن تساهم هذه الرواية في قضية الآثار المسروقة ؟
ربما تفتح الباب وتساهم في وضع ملف الآثار المسروقة على طاولة النقاش من جديد، خصوصا أن هذه الآثار تملأ صالات المتاحف العالمية.
ما الذي دفعك لتناول هذه القضية في روايتك ؟
عند زيارتي لمتحف اللوفر وكذلك للمتحف البريطاني صدمت بالكم الهائل لآثار العراق فيهما ، واكتشفت فيما بعد من خلال بحوثي أن مخازن تلك المتاحف تحتوي على آثار عراقية ضعف ما هو معروض في صالاتها، تلك الآثار أثارت تساؤلاتي ، فبدأت ببحوث لأكثر من عامين لمعرفة تفاصيل وظروف وصولها إلى أوروبا. وبعد ذلك قررت أن أنتج عملا أدبيا لسرد تلك الوقائع بأسلوب يشد القارئ لمتابعة تفاصيل تلك الأحداث التي أسميتها السبي في رواية "حراس البوابة"التي تعالج ايضا مشكلة حقيقية تمس المجتمع العراقي بشكل خاص والمجتمعات العربية بشكل عام وهي التطرف الديني، حيث كشفت أن التطرف لم يكن وليد الساعة ، وإنما ذو جذور وأبعاد تاريخية تربت عليه أجيال عدة ، وقد يصح القول إن أجيالا كانت ضحية التطرف الديني.
ما أسباب هذا التطرف ؟
أوضحت من خلال أحداث الرواية أن التطرف الديني ينشأ أساسا من الانسياق شبه الأعمى وراء شخصية رجل الدين أو وراء المؤسسة الدينية، فمن دون مقدمات يقع بطل الرواية ضحية التطرف الديني الذي يهدد حياته لأكثر من مرة من دون أن يكون له يد في إثارة غضب الجماعات المتطرفة.
كيف ترى دور المؤسسة الدينية ؟
يجب ألا يتعدى دورها النصح والارشاد، أما إصدار الأحكام وتنفيذها فهو من اختصاصات الجهات التشريعية والتنفيذية في الدولة. وقد بينت في " حراس البوابة " حالات الغلو
التي تنتهجها غالبا المؤسسات الدينية ويقع بطل الرواية ضحية لها.
ما مدى خطورة الحركات المتأسلمة على بطل روايتك؟
هذه الحركات أراها لا تمثل خطرا فقط على حياة بطل الرواية الذي يمثل شريحة الشباب المثقف والواعي، وإنما أيضا تهدد الوجود التاريخي لآثار البلاد ،لأن تعتبرها امتدادا لعصور الكفر والإلحاد. وبالتالي فهذا العمل يعرض بشكل واضح ومن دون مواربة المخاطر الحقيقية التي تهدد الشخصية المثقفة بالمواجهة مع مثل هذه الحركات والتنظيمات .
من أين تستلهم أفكار أعمالك ؟
واقع الحياة هو الإلهام الأساس لكتاباتي. بالتأكيد القراءة المستمرة تساهم في شحذ الأفكار والاسلوب، إلا أن الحياة معين لا ينضب من الأفكار والقصص والحكايات، وشخصيات الواقع هي الأكثر عمقا إذا أحسنا نقلها بين سطور الرواية. وهذا لا يعني أبدا استنساخ الشخوص من المجتمع المحيط بنا لنزجه في حكاية ما، فالشخصية بحاجة أيضا إلى فهم وتحليل ومتابعة لتطوراتها بالتوازي مع تطورات الأحداث في الرواية.
ما رؤيتك للكاتب والمثقف العراقي ؟
تقع على عاتقه حاليا مسؤولية جسيمة وتواجهه تحديات كبيرة في هذه المرحلة الحرجة. المثقف العراقي في داخل البلد يتعرض لضغوط وتكميم الأفواه وكبح الصوت ، لأن الجهة الحاكمة حاليا لم تسع بصورة جادة لإنقاذ البلد من موجة الارهاب، وهي المسؤول الأول عن سقوط مدن عدة بيد التنظيمات الإرهابية. كما أن زخم الصراعات الحزبية والمذهبية لدى الطبقة الحاكمة هو الذي دفع بالشاب العراقي إلى الانسياق وراء المؤسسة الدينية بحثا عن بديل مناسب. والمعضلة الكبرى أن المؤسسة الدينية هي أيضا مسيسة ومرتبطة بأحزاب متورطة بدماء العراقيين. لذلك أرى أن المعادلة صعبة ومعقدة ، ومعها تصبح مسؤولية المثقف العراقي ليست سهلة ، كما أنها محفوفة بالمخاطر.
بماذا تطالبه إذن ؟
رغم كل ما يحدث فهذا لا يبرر له السكوت والانتقال إلى مدرجات المتفرجين. المثقف العراقي ملزم بفضح تلك الجرائم التي ترتكب بحق أبناء البلد، لأن التاريخ لن يرحم الكاتب الذي يحول قلمه إلى بوق للجلاد.
إلى أي مسار تتجه الرواية الآن بالوطن العربي؟
تتجه الرّواية العربية الحديثة غالبًا نحو الغوص في المثلث التقليدي "السياسة، الدين ،الجنس" إلا أن أيّا من عناصر هذا الثالوث لا يمكنه تحليل المأزق الحقيقي الذي يعصف بالشخصية الرّوائيّة بكونها المكون الأساسي للرواية قبل أن يكون الحدث التاريخي أو الحدث المعاصر هو الأساس للبنية السردية الرّوائيّة. ولو اقتصرت الرّواية في ظل هذه الظروف الاستثنائية على سرد الوقائع الحالية لخرجت من سمتها الأساسية بكونها قطعة فنية نحتت بيد الرّوائيّ إلى ورقة تاريخية تعكس فترة توتر وعدم استقرار اجتماعي وذاتي. وخروج الرّواية عن جنسها الأدبي سيحرمها من فرصة الاستمرارية.
هل هناك روايات استطاعت الإفلات من فخ السرد ؟
من بين الروايات التي أفلحت في معالجة الأزمة الحالية في العراق بصورة خاصة ،وفي المنطقة بصورة عامة ،من دون الوقوع في فخ السرد التجريدي للواقع هي رواية "طشاري" للكاتبة العراقية إنعام كجه جي، تتألف الرّواية من مقاطع قصيرة كانعكاس للأحداث المتسارعة التي تشهدها مجتمعاتنا، تلك الأحداث التي تمنح مطلع القرن الحادي والعشرين صفة عصر المتغيرات السريالية.
كما تتعرض الرّواية العربية في خضم هذه الأحداث المتسارعة لاختبار وجود، أو اختبار كفاءة ، فإما أن تكون الرّواية هي الشاهد على هذه المرحلة ،أو أن تبقى أسيرة أسلوب البحث عن مفردات جميلة لصياغة قطعة فنية من دون الأخذ بنظر الاعتبار التحدي الكبير الملقى على عاتق الرّوائيّ، ولأن عدة بلدان عربية تتعرض لعاصفة المد الطائفي والتهديد من قبل الجماعات الإسلاموية المتشددة، والتيارات الإسلامو سياسية التي تحاول تهميش الهوية الوطنية وراء هوية الدين أو المذهب أو الطائفة، فقد استغل الرّوائيّ الكويتي سعود السنعوسي هذه الظاهرة ليعالجها في روايته "فئران أمي حصة" وبما أن الفضاء الرّوائيّ لم يسمح له بالدخول في كل المجتمعات العربية المعنية بهذه الأزمة ، عمد إلى اللجوء إلى المعاني المجازية الافتراضية ليعتبر كل بلد من تلك البلدان كشارع من شوارع مدينة الكويت، فتحوّلت الأحداث الدّموية التي يتعرّض لها الشعب السوري إلى فوضى تعمّ شارع دمشق، وانفجارات تستهدف شارع بغداد، وجماعات متناحرة تتقاتل في شارع طرابلس وتمنع سكان الشوارع المجاورة من الوصول إليهم. وقد استلهم السنعوسي هذه الفكرة من شارع الكويت في محافظة البصرة العراقية.
هل لديك عمل جديد ؟
بدأت بعمل جديد وهو أيضا من رحم المجتمع العراقي، لا أرغب أن أخوض في تفاصيله لأنني قد أغير الكثير وقد يتغير هو رغما عني، لكن الأحداث تدور حول شخص متمرد من جانب ،ويسعى لأن يكون مرجعا في حوزة النجف من جانب آخر، المعضلة تكمن بأن صفاته الشخصية قد تتعارض مع المؤسسة التي يحلم بقيادتها. ومن أجل تحقيق أكبر قدر من الصدق في هذا العمل ، أفكر بالذهاب لزيارة تلك المؤسسة في النجف والالتقاء ببعض طلابها كي تكون شخصيتي أقرب إلى الواقع وبعيدة عن الأحكام المسبقة.
آخر الأخبار