كل الآراء
نروح ونغدوا لحاجاتنا وحاجات من عاش لا تنقضي
الأربعاء 18 يوليو 2018
60
السياسة
مشعل عثمان السعيدطالع البيت عنوان هذا الموضوع وتدبره:نروح ونغدو لحاجاتناوحاجات من عاش لا تنقضيحقيقة لا لبس فيها ولا جدال، نذهب ونعود صباح مساء في طلب هذه الدنيا، ولا نكل ولا نمل، فالمرء مازال حيا يسعى وراء حاجاته التي لا تقف عند حد، واذا مات ماتت هذه الحاجات لموته وانتهت، سنة الحياة وقانون رباني، أليس الله تعالى أمرنا ان نسعى في مناكبها؟ بلى أمرنا بذلك ولكنه ايضاً أمرنا بألا نجعل الدنيا أكبر همنا، ولا ننسى ما فرضه الله علينا من طاعة وعبادة، لابد من الاستعداد لملاقاة الواحد الاحد، في يوم لا شك فيه ولا ريب، يوم الفصل، أيها المرء، وكلنا هذا المرء، ماذا أعددت لهذا اليوم؟ اعلم أنك مفارق هذه الدنيا وذاهب وحدك بلا أهل ولا مال ولا حاجات، وأعلم ايضاً انك ستسأل عن كل شيء، فإما إلى الجنة وإما الى النار، ما أكثر من يسعى وراء حاجاته غير ناظر لآخرته وغير آبه بها، فتباً لك، ما أكبر خسارتك، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، فلا جنة بلا عمل، ضع نصب عينيك "كلا اذا بلغت التراقي، وقيل من راق، وظن أنه الفراق، والتفت الساق بالساق، إلى ربك يومئذ المساق" أيها الأحبة في ذلك اليوم ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب ربك شديد، فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، وفي ذلك يقول الصلتان العبدي:أشاب الصغير وأفنى الكبيرمر الغداة وكر العشىنروح ونغدو لحاجاتناوحاجة من عاش لا تنقضيتموت مع المرء حاجاتهوتبقى له حاجة ما بقيأرى أمة شهرت سيفها وقد زيد في سوطها الأصبحيبنجدية وحروريةوأزرق يدعو إلى ازرقيوملتنا أننا مسلمونعلى دين صديقنا والنبيهذه الأبيات كلها حكمة وعظة، والصلتان العبدي شاعر أدرك خلافة الإمام علي رضي الله عنه، وعاش حتى وفد على الخليفة الأموي الرابع عبدالملك بن مروان، والصلتان لقب وليس اسماً، لبيت قاله، أما اسمه فهو: قثم، وقال المرزباني: عمرو بن خبية بن قثم بن كعب، وهو من عبد القيس، والصلتان اسم يعني النشيط والحديد الفؤاد، وكان الفرزدق همام بن غالب قد هجا الصلتان وكان قد طلب منه ان يكون حكما بين الفرزدق وجرير فقال فيه الفرزدق:أقول ولم أملك سوابق عبرةمتى كان حكم الله في كرب النخلفرد عليه الصلتان العبدي قائلا:أعيرتنا بالنخل أن كان ملكنالود أبوك الكلب لو كان ذا نخلثم اكمل بيته هذا ابن عم للصلتان شاعر اسمه: خليد بن عينين العبدي فقال:وأي نبي كان في غير قرية.. وما الحكم يا بن اللؤم إلا مع الرسلإذاً فالصلتان العبدي حضري من أهل الأرياف، وكان متبرما من انقسام المسلمين الى فرق، وكثرة النزاعات بينهم، وكان الصلتان على مذهب جميل ومعظم أشعاره في الأحداث السياسية التي عاصرها، وله فنون أخرى، إلا أن اشهر قصائده ما عنونت بها هذا الموضوع، وكان قد قال شعراً في الحكم بين الفرزدق وجرير يقول فيه:أتتني تميم حين هابت قضائهافأني لبالفضل المبين قاطعكما أنقذ الأعشى قضية عامر وما لتميم في قضائي رواجعولم يرجع الأعشى قضية جعفروليس لحكمي آخر الدهر راجعسأقضي قضاء بينهم غير جائر فهل أنت للحكم المبين سامعقضاء أمرئ لا يرتشي في حكومة اذا مال بالقاضي أبرثا المطامعفإن كنتما حكمتماني فأنصتاولا تجزعا وليرض بالحكم قانعويستمر في حكمه حتى يخلص الى هذا القرار:أرى الخطفي بذ الفرزدق شعره.. ولكن خيراً من كليب مجاشعوهو فضل جرير شعراً وفضل الفرزدق نسباً وشرفاً، فلم يرض الاثنان ومن أجمل أبيات قصيدة الصلتان هذه:وما يستوي صدر القناة وزجها ولا تستوي في الراحتين الأصابعفيا شاعرا لا شاعر اليوم مثلهجرير ولكن في كليب تواضعيناشدني النصر الفرزدق بعدماألحت عليه من جرير صواقعتوفي الصلتان العبدي العام 80هـ في خلافة عبدالملك بن مروان، وعبدالملك هو القائل وقد احس برحيله من الدنيا بعد الملك والجاه والقوة والجبروت: ليتني كنت غسالاً اعش من عمل يدي كفافا لا علي ولا لي ولم اتول الخلافة. وقد سأله ابنه الوليد: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أجدني كما قال الله تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى، كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطع بينكم، وضل عنكم ما كنتم تزعمون"، الأنعام الآية 94، ثم مات عبدالملك. تذكروا قول الصلتان العبدي:نروح ونغدو لحاجاتناوحاجة من عاش لا تنقضيتموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجات ما بقيإلى هنا، جف القلم ونشفت المحبرة، في أمان الله.كاتب كويتي