الأحد 22 سبتمبر 2024
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

نساء العرب مضرب للأمثال في الوفاء

Time
الثلاثاء 29 مايو 2018
View
5
السياسة
القاهرة - مختار عبد الحميد:

جميع شعوب الارض لهم عادات وتقاليد يتوارثونها جيلا من بعد جيل، تشكل كيان ووجدان الامة وتعتبر كقانون ملزم لكل افرادها، وهكذا نرى ان المجتمع العربي سواء في الجاهلية او بعد الاسلام، دائما كان متمسكا بتقاليده وعاداته التي توارثها، كمحاسن الاخلاق والكرم وغيرها، وحتى يغرس هذه التقاليد ويحافظ عليها كان لابد ان تنتقل من خلال قصص تروى وليس الغرض منها فقط التسلية والترفيه عنا في اوقات الفراغ، انما تقدم لنا نماذج وامثلة تصور هذه العادات وتوضح نبل مقصدها وتدفع الناس الى الاقتداء بهذه الامثلة من الايمان والواجب والحق والتضحية والكرم والشرف والايثار وايضا تقدم الصور السلبية من البخل والطمع وغيرها.. والتي تقدمها من خلال ما ورد من حكايات تذخر بها كتب السيرة وتاريخ الامم مما نقلوه من الاجداد.


ولم تقتصر خَلَّةُ الوفاء بالعهد على رجال العرب فقط ، حيث كانت النساء العربيات تحفظ العهود وتصونها، بل منهن من كان مضربا لأمثال الوفاء بالعهود فيقال في المثل: أوفى من فكيهة: وهي امرأة من بني قيس بن ثعلبة، كان من وفائها أنَّ السليك بن سلكة، غزا بكر بن وائل، فلم يجد غفلة يلتمسها، فخرج جماعة من بكر، فوجدوا أثر قدم على الماء، فقالوا: إنَّ هذا الأثر قدم ورد الماء. فقصدوا له، فلمَّا وافى حملوا عليه فعدا حتى ولج قبة فكيهة فاستجار بها، فأدخلته تحت درعها، فانتزعوا خمارها، فنادت إخوتها، فجاءوا عشرة، فمنعوهم منها .
وأيضا يقال أوفى من أمِّ جميل: وهي من رهط ابن أبي بردة من دوس، وكان من وفائها أنَّ هشام بن الوليد ابن المغيرة المخزومي قتل رجلًا من الأزد، فبلغ ذلك قومه بالسراة، فوثبوا على ضرار بن الخطاب الفهري ليقتلوه، فعدا حتى دخل بيت أمِّ جميل وعاذ بها، فقامت في وجوههم، ودعت قومها فمنعوه لها.
والوفاء بالعهد يختصُّ بالإنسان سواء رجل أو امرأة ، فمن فُقِد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قوامًا لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتمُّ تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب، وارتفع التعايش، ولذلك عظَّم الله تعالى أمره فقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، وقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ [النحل: 91].

من قصص وفاء الزوجات
ومن أجمل قصص الوفاء ما روي عن نائلة بنت الفرافضة بن الأحوص الكلبي، فلقد تزوجها عثمان بن عفان، وكان أبوها نصرانياً، فأمر ابنه ضباً بتزويجها وحملها إليه بالمدينة، فلما أدخلت إليه قال لها: أتقومين إلي أم أقوم إليك؟ قالت: ما قطعت إليك عرض السماوة وأنا أريد أن أكلفك طول البيت. فلما جلست بين يديه قال: لا يروعنك هذا الشيب، قالت: أما إني من نسوة أحب أزواجهن إليهن الكهل السيد، قال: حلي إزارك، قالت: ذاك بك أحسن. فلما قتل أصابتها ضربة على يدها، وخطبها معاوية فردته وقالت: ما يعجب الرجل مني؟ قالوا: ثناياك، فكسرت ثناياها وبعثت بها إلى معاوية، فكان ذلك مما رغب قريشاً في نكاح نساء كلب.
ويحكى أن سليمان بن عبد الملك خرج ومعه يزيد بن المهلب إلى بعض جبابين الشام، وإذا بامرأة جالسة عند قبر تبكي، فجاء سليمان ينظر إليها، فقال لها يزيد، وقد عجب سليمان من حسنها: يا أمة الله، هل لك في أمير المؤمنين؟ فنظرت إليهما، ثم نظرت إلى القبر، وقالت:
فإن تسألاني عن هواي فإنه
بحوماء هذا القبر يا فتيان
وإني لأستحييه والترب بيننا
كما كنت أستحييه وهو يراني

وفاء جارية
ومما يروى أن أبو بكر رضي الله عنه مر بجارية سوداء تطحن لمولاتها، فقالت له مولاتها: يا أبا بكر اشترها فإنها على دينك، فلما علم أنها مسلمة حكم مولاتها فاشتراها على المكان، فدفع ثمنها وقال: قومي يا جارية، قالت: يا أبا بكر إن لها علي حقاً بقدم ملكها، فائذن لي أن أستتم طحينها، ففعل.
ومن قصص الوفاء وحفظ العهد ما يرويه إسحاق الموصلي: عن زلزل الضارب " هو منصور زلزل موسيقي عربي عازف عود ولد في الكوفة وتوفي في بغداد. ضارب العود الشهير، ومن أهم الموسيقيين الذين ظهروا في أوائل العهد العباسي. قال فيه ابن عبد ربه، في العقد الفريد،: "كان زلزل أضرب الناس للوتر، لم يكن قبله ولا بعده مثله". وشهد له في ذلك الموسيقي، تلميذه وابن شقيقته، إسحق الموصلي في مجلس الخليفة الواثق بالله عندما قال: "إن زلزلاً هو المتقدم في ضرب العود". وكان ضارب العود الخاص لزوج أخته إبراهيم الموصلي في الغناء، وسُمّي زلزل بالضارب لأنه لم يكن يغني إلا نادراً" . أنه كان له جارية قد رباها وعلمها الضرب (العزف) ، وسأل إبراهيم فطارحها، وكانت حاذقة، قال: فكان يصونها أن يسمعها أحد، فلما مات بلغني أنها تعرض في ميراثه، فصرت إليها لأعترضها فغنت:
أقفر من أوتاره العود
والعود للأوتار معمود
فأوحش المزمار من صوته
فما له بعدك تغريد
من للمزامير وعيدانها
وعامر اللذات مفقود
الخمر تبكي في أباريقها
والقينة الخمصانة الرود
قال: وهذا شعر رثاه به صديق له كان يألفه، قال: فأبكت والله عيني وأوجعت قلبي. فدخلت على الرشيد فحدثته بحديثها فأمر بإحضارها فأحضرت، فقال لها: غني الصوت الذي حدثني عنك أنك غنيته، فغنته وهي تبكي، فتغرغرت عينا الرشيد وقال لها: أتحبين أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين لقد عرضت علي ما يقصر عنه الأمل، ولكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد بعد سيدي فينتفع بي، فازداد رقة عليها وقال: غني صوتاً آخر فغنت:
العين تظهر كتماني وتبديه
والقلب يكتم ما ضمنته فيه
فكيف ينكتم المكنون بينهما
والعين تظهره والقلب يخفيه
فأمر بأن تبتاع وتعتق، ولم يزل يجري عليها إلى أن مات.
آخر الأخبار