الجمعة 20 سبتمبر 2024
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
نصيحة… على إسرائيل إدراك أنَّ الكثرة تغلب الشجاعة
play icon
الافتتاحية   /   الأولى

نصيحة… على إسرائيل إدراك أنَّ الكثرة تغلب الشجاعة

Time
الأحد 15 أكتوبر 2023
View
543
السياسة

كتب ـ أحمد الجارالله:

لنبدأ من النهاية، هل تكون عملية "طوفان الأقصى" التي قادتها "كتائب القسام"، من دون مشورة قيادة "حماس" المقيمة في فنادق الدوحة واسطنبول، نقول: هل يُمكن أن تكون نتيجتُها الاعتراف بدولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيلية؟
لا شكَّ أنَّ العملية ستبقى إلى الأبد بالذاكرتين الفلسطينية والاسرائيلية، وربما في الثانية سيكون وقعُها أكبر؛ لأنها تمثل وبعد خمسين سنة، بالتمام والكمال على بدء حرب العبور في أكتوبر عام 1973، نكسة إسرائيلية، وبالتالي هذا يدل على أن تلك الدولة لن ترتاح وتستقر إلا بوجود دولة فلسطينية مجاورة، يحميها العالم، كما حمى طوال 75 عاماً إسرائيل.
لقد جاءت العملية في وضع صعب سياسياً لحكومة تل أبيب التي كانت تعاني من تمزق، واضطرابات شعبية على وقع التعديلات القضائية، وغلياناً كان يُمكن أن يطيح بحكومة نتانياهو، وفي وقت اشتد فيه عود الجماعات المتطرفة اليهودية، التي مارست استفزازاً وقحاً للمسلمين باقتحام المسجد الأقصى مرات عدة.
أيضاً، إذا كانت القوة العسكرية الإسرائيلية أعطت ميزة ما طوال 50 عاماً، وجرى تحديثها، بعد حرب أكتوبر، فإن انهيارها السريع في غضون ثلاث ساعات، أعاد إلى الأذهان الإسرائيلية صدمة انهيار خط بارليف، فيما الخصم هذه المرة ليس جيشاً نظامياً، إنما فصيل مسلح من بضعة آلاف من المُقاتلين المسلحين بأسلحة بدائية.
صحيح أن توقيت العملية لافتٌ للنظر، وهو كما أسلفنا لم تعرف به "حماس" الفنادق، وقد يكون هذا مؤشراً على نهاية "مقاومة" الترف والتمصلح؛ لأنها لم تكن يوماً قيادة تحرير فعلية، وتكتيك الهجوم أذهلها، كما أذهل كل المراقبين في العالم، ما يعني نهايتها كقيادة تعيش على وجع الفلسطينيين، خصوصاً أهل غزة.
لا شكَّ أن قسوة الأحداث ورد الفعل الهمجي الإسرائيلي، سيحفران بالذاكرة العبر، وسيدفعان إلى تغيير المقاربات الإسرائيلية، والغربية، للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومن هنا، فكما كان العالم على استعداد للضغط على تل أبيب عام 1973 للقبول بالسلام، سيمارسه نفسه على الطرفين اليوم لقبول صفقة سلام.
صحيح، أن العالم يقف اليوم إلى جانب تل أبيب، لكنه لن يضمن لها الاستقرار، وهو ما يجب أن يكون في حسابات قادتها، ويتذكرون المثل العربي: "إنَّ الكثرة تغلب الشجاعة"، وبالتالي ليس لها أن تستمرَّ بمحيط عربي توازي فيه أقل من خمسة في المئة من سكانه.
صحيح أن العرب، منذ 75 عاماً، أضاعوا الفرصة تلو الأخرى، فلا هم قبلوا بقرار التقسيم، وحينها توسعت إسرائيل أكثر، وبعد نكسة عام 1967، رفض عبدالناصر مبادرة روجرز، التي كانت تنص على عقد مفاوضات لتنفيذ القرار 242، وأعاد إطلاق شعاره "رمي اليهود في البحر"، وبالتالي استمرت حرب الاستنزاف التي دفعت فيها مصر الكثير.
في عام 1970 تيسر لمصر زعيم يحسب حسابات الربح والخسارة جيداً، وهو الرئيس الراحل أنور السادات، رحمه الله، فقد أدرك أن استمرار الوضع على هذا النحو سيؤدي إلى مضاعفة الخسارة، فأعلن الحرب، بالاتفاق مع سورية، في السادس من أكتوبر عام 1973، وفاجأ العالم بالعبور، وأسقط جبروت القوة الإسرائيلية، ومرغ جبين قادتها برمل سيناء.
بعد أربعة أيام من بدء المعارك جاء وزير الخارجية الأميركي هنري كسينجر إلى القاهرة، والتقى السادات، وقال له عبارة واحدة: "إن الولايات المتحدة لن تقبل هزيمة سلاحها"، فأجاب المغفور له السادات: "يعني اني مش بحارب إسرائيل، أنا بحارب أميركا"، فأجاب كسينجر: "نعم، أنت تحارب الولايات المتحدة الأميركية".
يومذاك، كانت الدبابات ترسل جواً إلى إسرائيل، وتدخل المعركة فوراً، والعالم الغربي أعلن تأييده لها، تماماً كما يجري اليوم، فأدرك السادات، رحمه الله، أن الاستمرار بالحرب يعني خسارة الإنجازات التي تحققت، فارتدى البذلة العسكرية، وأعلن وقف الحرب من جانب واحد، وبدأت مفاوضات "خيمة الكيلومتر 101"، التي انتهت إلى عقد سلام في "كامب ديفيد".
يومها دعم العالم هذه الخطوة، بينما كان الجيش المصري في أفضل وضع، وها هو اليوم يؤمن استقرار مصر، ويحافظ على أمنها القومي، وأصبحت القاهرة حجر الرحى في الديبلوماسية الدولية.
لا ننسى أن ذلك انتهى، في البداية، إلى مقاطعة مصر، وعقد مؤتمر بغداد، ورغم الهياج العربي الشعاراتي، وحملة غسيل الأدمغة، إلا أن الجميع عادوا إلى مصر.
اليوم، ربما يكون الوضع أشبه بتلك المرحلة، ولا شك أن العرب سيدركون أن الزمن لن ينتظر، والفلسطينيون يعيشون هذا اللهيب اليومي، والمجازر، والعالم بدأ يستيقظ على وقع الدم الصارخ، لهذا فإن لا حل إلا بقيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان بسلام جنباً إلى جنب، وربما تقتنع القيادة الإسرائيلية أن خيار "كامب ديفيد" جديداً هو الأفضل لاستقرار دولتها.
أخيراً، لا شكَّ أنَّ العالميْن، العربي والإسلامي، يقدران التضحيات الفلسطينية، لكن لا بد من وعي أن الحرب بالشعارات هي من جرَّت على الفلسطينيين كل هذه الويلات، ولذا على الإسرائيليين والفلسطينيين، أن يأخذوا من حرب أكتوبر العِبْرَةَ.

آخر الأخبار