إعداد – إسلام مصطفى: يحفل التاريخ العربي بالنوادر، التي قلما يوجد مثلها في أمم أخرى، نظرا لما يتمتع به العرب من خفة ظل، حتى أنهم سخروا الشعر في كثير من هذه المواقف فتحولت بها إلى نادرة، "السياسة" طافت عبر تاريخ العرب قديمه وحديثه وقطفت بعض هذه النوادر لتقدمها للقارئ حتى ترسم على ملامحه البسمات.كظم الغيظ والعفو عن الناس صفتان، يجازي الله سبحانه وتعالى عليها من يتحلى بهما بقصور في الجنة، كما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، ومعروف عن العرب أنهم حتى قبل نزول الإسلام كانوا يتسمون بالأخلاق الحميدة، وكان من بينها العفو وكظم الغيظ، ولهم معها طرائف ونوادر كثيرة.من هذه النوادر ما حدث مع الخليفة المأمون، ففي أحد الأيام أحضر المأمون رجلا مذنبا، استعدادًا لمحاكمته وتوقيع العقوبة عليه، وبدأت المحاكمة بسؤاله: أنت فعلت كذا وكذا؟ هنا ظهر الخجل على أعين المذنب، وأجاب: نعم يا أمير المؤمنين أنا ذاك الذي أسرف على نفسه، واتكل على عفوك، فلما سمع الخليفة كلامه رق قلبه،وتذكر أن الله يحب كل من يعفو ويصفح، فعفا عنه وخلى سبيله.
وتكشف إحدى النوادر عن حيلة بسيطة استخدمها رجل أعرابي مع الأمير زياد، فعندما أمر زياد بضرب عنقه، ورد في ذهن الرجل ان يستسمحه بحق الجيرة، وكانت هي تلك الحيلة التي استخدمها، فقال له: أيها الأمير إن لي بك حرمة، اندهش زياد وقال له: وما هي؟، تبسم الرجل وقال: إن أبي جارك بالبصرة، فسأله الخليفة ومن أبوك ؟ لمعت أعين الرجل من شدة الذكاء والدهاء، وقال له: يا مولاي إني نسيت اسم نفسي، فكيف لا أنسى اسم أبي؟، ملأت ضحكات الأمير زياد أرجاء المكان، ووضع كمه على فمه، ليخفي ثغره الضاحك، وعفا عنه.ورغم شدة الحجاج ين يوسف الثقفي إلا أنه حُكي عنه نادرة مع العفو، عندما أمر بقتل رجل، ولكن خوف الرجل جعله يقول للحجاج كلمات يستعطفه بها لعله يرجع عما يريد، وبالفعل قال الرجل له: أسألك بالذي أنت غدًا بين يديه أذل موقفًا مني الآن وانا بين يديك، اعفو عني. وقد كان للرجل ما طلب، وعفا عنه.ومما نقل أيضا عن الحجاج أنه في أحد الأيام ضرب رقاب أصحاب ابن الأشعث، فجاءه رجل منهم مسرعًا يحاول أن يبلغ عفوه، فقال له: والله يا حجاج لئن أسأنا في الذنب، أحسنت في العفو، استحسن الحجاج تلك الكلمات، وقال: أُف لهؤلاء القوم جافو المشاعر، أما كان فيهم من يحسن الكلام مثل هذا؟ وعفا عنه وأخلى سبيله.وللفضل بن الربيع قصة مع رجل مزوّر، جمع فيها بين كظم الغيظ والعفو في آن واحد، وذلك عندما أتى المزوّر إلى وكيل الفضل بورقة عن خطه تقول أن الفضل أمر له بألف دينار، أخذ الوكيل الورقة ولم يشك بها، وراح يزن الألف دينار للرجل. وفي هذه اللحظة أتى الفضل إلى وكيله ليتحدث معه في أمر مهم، ولما جلس أخبره الوكيل بقصة الرجل وأطلعه على الورقة نظر الفضل إليها، ونظر إلى وجه الرجل، فكظم غيظه عندما رآه كاد يموت من الخجل، ووجه حديثه إلى وكيله، قائلًا: أتدري لما أتيتك في هذه الساعة ؟ قال: لا، فأجابه: جئتك لأحفزك على تعجيل إعطاء المبلغ الذي في ورقة هذا الرجل له، ففعل الوكيل. ظهرت علامات الحيرة على وجه المزوّر، وهو حامل المال بين يديه، فنظر إليه الفضل نظرة عفو، وقال له: طب نفسًا واذهب إلى سبيلك آمنا على نفسك، فقبل الرجل يده وقال له: سترتني سترك الله في الدنيا والآخرة، وأخذ المال وذهب.وذات مرة دخل عمر بن عبد العزيز المسجد في ليلة مظلمة، فمرَّ برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. فهمَّ به الحرس، فقال عمر: مه، إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا.