* د. بسام الشطي: لا يجوز للموظف أخذ الهدية نظير إنجاز عمله حتى لو كانت درعاً أو ورداً أو قلماً زهيداً* د. فيصل العتيبي: بعض المعلمين من ضعاف النفوس يميلون نحو من أَهدى إليهم فيحابونهم* سعد الشمري: الموظف مطالب بأن يؤدي عمله بأمانة دون أن ينتظر مردوداً من صاحب المعاملة
تحقيق - عبدالناصر الأسلمي:تذهب إلى بعض الدوائر لإنجاز معاملة ما، فتجد بعض الموظفين يتعاملون مع أصحاب المعاملات بأسلوب فظ، أو قد يؤخرون إنجاز المعاملة، وربما قالوا لصاحب المعاملة تعال في يوم آخر، بحيث تتأخر المعاملة وقد يكون صاحبها في عجلة من أمره، فيضطر بعضهم لتوزيع الهدايا على الموظفين لضمان إنجاز معاملاتهم بسرعة، مع العلم أنها معاملة سليمة، ولا يقصدون بالهدية الغش تغاضي الموظف عن عيب ما أو نقص في المعاملة.فما حكم هذا النوع من الهدايا، وهل هي حلال أم حرام.. "السياسة" طرحت القضية على ثلاثة من رجال الدين، فأقروا جميعا بأن هذه الهدية عبارة عن رشوة، وهي محرمة، مهما كان نوع الهدية، سواء كانت غالية الثمن أو زهيدة، قائلين إنه من غير الجائز للموظف، في أي جهة عمل، قبول أي نوع من الهدايا مقابل إنجاز عمله، مشددين على أنها محرمة، لأنها عبارة عن "رشوة مبطنة". الأستاذ بقسم العقيدة والدعوة في كلية الشريعة بجامعة الكويت الدكتور بسام الشطي قال: "لا يحق للموظف في الدوائر الحكومية أو الخاصة أن يأخذ الهدايا من أصحاب المعاملات نظير إنجازها لهم، لأن هذا واجب عليه".وذهب إلى القول: "حتى لو أعطوه درعا أو وردا أو قلما وإن كانت قيمته زهيدة". وأوضح أن "النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من أسدى لكم معروفاً فكافؤه"، يعني نشكره ونقول له جزاك الله خيرا، وما يشبهها من الكلمات الطيبة، أما ما عدا ذلك فهو حرام وغلول، والنبي بين خطورتها وحرمتها، فلا يجوز للموظف أن يأخذ الهدايا من صاحب المعاملة تحت أي مسمى أو ذريعة، فهي رشوة مبطنة حرمها الإسلام".رشوة سيئةمن جهته أكد الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية د. فيصل العتيبي "أن أهل العلم قرروا أن الأصل منع الهدايا التي تعطى للموظفين والعمال لأجل وظائفهم وأعمالهم، فعن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: استعْمَلَ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وسلم رجلا من بني أَسْد يُقال لَه ابن اللُّتْبِيَّة عَلَى صَدَقَة فلما قَدِمَ قَالَ: هذَا لَكُمْ وهذا أُهدي لي، فقام النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبرِ فَحَمد الله وأَثْنَى عليه ثم قال: "ما بال العامل نَبْعثهُ فيأْتِي يقول: هذا لك وهذا لي، فَهلا جلس في بيت أبيه وَأُمه فينْظر أَيُهْدى له أَمْ لا؟ وَالذي نفسي بيده لا يأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِه يوم القيامة يحمله على رقبته إِن كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شاةً تَيْعَر ثم رفع يديْه حتى رأينا عُفْرَتَيْ إِبْطيه أَلا هَلْ بَلغتُ ثلاثًا".وأشار د.العتيبي الى أن الهدايا تأخذ أشكالا متعددة، فقد تكون مالاً، أو أموراً عينية، أو دعوةً إلى مأدبة أو غير ذلك، وهذه من شأنها أن تؤثر على الموظف، وتدعوه لمحاباة المهدي، ولو فيما يُستقبل من المعاملات، فتجده يعطيه ما لا يستحق، أو يتنازل له عن أمرٍ واجب عليه أداؤه، ولا تخفى آثار هذه "الرشوة السيئة"على الأفراد والمجتمعات، وإن سميت هديةً.وذهب إلى القول: "وليس هذا الأمر مقصورا على أصحاب المعاملات، فهناك أيضا ما يعطيه بعض الطلاب من هدايا للمعلمين والمعلمات، فهذا قد يؤثر على بعض ضعاف النفوس منهم، ويجعلهم يميلون نحو من أهدى إليه، فيحابونه بالدرجات، وفي ذلك ظلم وتعدٍ، أمَّا إن كانت الهدية بعد الانتهاء من رصد الدرجات والإعلان عنها وانقطاع أواصر الانتفاع والمحاباة فيقرر أهل العلم أنه لا حرج في قبول الهدية من قبل المعلم في مثل هذه الحالة".فساد وسحتيلتقط الشيخ سعد الشمري طرف الحديث ليؤكد الرأي السابق بالقول: "علاقة التلميذ بمعلّمه يجب أن تكن قائمة على المحبة والمودة والشفقة والتعليم، ما لم تكن هناك مصلحة مرجوة للطالب من المعلم غير ذلك، فإذا أهدى الطالب لمعلّمه هدية متواضعة في نهاية العام تقديرا لجهوده، وتوثيقا للصلة، ووفاء بحقه، وإظهارا لشكره، إذ لا يشكر الله من لا يشكر الناس، فلا بأس، وإنما الأعمال بالنيات، فإذا تورّع المعلّم عنها فله ذلك، وليكن ردّه بلطف". وأضاف: بالنسبة للحديث الشريف فهو دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن هدايا العمّال، وجعلها من قبيل الرُّشا والسحت، إذا طلب من العامل الذي قبل الهدية أن يجلس في بيت "فينظر أيهدَى له أو لا".وأفاد الشيخ الشمري: المقصود أن الموظف في أي جهة كان لا يجوز له أن يقبل الهدية، مهما كان شكل الهدية، فكل ذلك حرام، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن في الرشوة ثلاثة: الراشي، والمرتشي، والرائش؛ وهو الوسيط بينهما.وخلص إلى القول: "ما دخل الفساد في المجتمعات والمؤسسات إلا من خلال الرشوة، والموظف مطالب بأن يؤدي وظيفته بصدق وأمانة دون أن ينتظر مردودا ما من صاحب المعاملة".