الأربعاء 02 أكتوبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   الافتتاحية

هذا ما حفل به التاريخ... فهل من متعظ؟!

Time
الاثنين 03 يوليو 2023
View
13
السياسة
أحمد الجارالله

بلغت الدولة الأموية في عهد هشام بن عبد الملك أوج اتساعها وكانت تعتبر في العالم القديم واحدة من أعظم الدول، وأكثرها قوة، لكنها في الوقت نفسه كانت تبذر أسباب ضعفها وزوالها بأيدي بعض أعضاء بيت الحكم، لأسباب شتى، منها سوء الاختيار، وجمع الأضداد في السلطة للتغلب على أزمة أعضاء ذلك البيت، ولذلك سقطت حين لم يحسن الحكام إدارة القرار، ورأوا أنهم يستطعيون إخماد المعارضة الداخلية بينهم بقوة الامتيازات.
بدأت مؤشرات زوال الحكم الأموي حين اكتشف يزيد بن عبدالملك قرب منيته فعهد إلى أخيه هشام بالحكم على أن يكون ابنه الوليد بن يزيد وليا للعهد، وكان حينها في العاشرة من العمر، وهذا الترتيب هو أول مسمار في نعش الدولة القوية، لأن نشأة الوليد فيها الكثير من اللهو والمجون، وعدم إدراكه المهمة الصعبة الموكلة إليه، في المقابل كانت الدولة تواجه مشكلات عدة، وثورات أشعلها بعض أعضاء بيت الحكم، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة من عمرها، والمؤامرات التي حيكت طمعا بالفوز بالسلطة، ورئاسة الدولة، وخير مثال على ذلك دس السم لعمر بن عبدالعزيز في الطعام لأنه جعل العدل ميزانه في الحكم.
بعدها وحين اكتشف هشام أن ابن أخيه يكثر من المجون، ولا يهتم لأمر الحكم، أراد عزله وتنصيب ابنه سلمة وليا للعهد، لكن لم يكن الأخير أفضل من الأول، كما تدهورت العلاقة بين العم وابن شقيقه، ففر الوليد إلى الصحراء إلى حين وفاة هشام، وتولى الحكم وهو شاب، وأول ما فعله هو مصادرة أموال عمه، ثم أخذ يضيق على أبناء عمومته فسجنهم وأهانهم وصادر أموالهم، بل أمر بسجنهم، وأبقى بعضهم تحت الإقامة الجبرية، وبعد ذلك انغمس باللهو والمجون، ولم يعر أمر الحكم الشيء الكثير.
كانت أمور الدولة تتدهور بسرعة في ذلك الوقت، فاستغل ابن عمه يزيد بن الوليد الوضع وثار عليه وتسلم الحكم، وأراد العمل بسيرة عمر بن العزيز، فأنقص رواتب الجند، وبدأ يقطر على شعبه، وفي غضون 13 شهرا من حكمه تفشت المعارضة بين الناس، وزادت النقمة عليه، ولم يمهله القدر، إذ أصيب بمرض عضال أودى بحياته.
في كل هذا كانت الدعاية، أو ما بات يسمى حاليا "الذباب الإلكتروني"، أي الشعراء والمريدون، يعملون على التسويق لمن يدفع أكثر، بينما كانت الدعوة العباسية على أشدها، وتعمل بمنهجية استغلال الأخطاء في بيت الحكم الأموي، خصوصا الصراع على رئاسة الدولة بين أبناء العمومة، وآخرها ثورة مروان الملقب بالحمار على ابن عمه إبراهيم بن الوليد.
كل هذا جعل بني العباس يستقوون، وجمع الناس حولهم، وفي النهاية الفوز بالحكم بعد معركة الزاب التي كشفت مدى سوء استخدام السلطة، وتفرق أعضاء بيت الحكم عما تؤول إليه أحوال الدول، وهي ليست محصورة بالدولة الأموية فقط، فالممالك الأوروبية قديما شهدت الكثير من هذا.
بعض بيوت الحكم الملكية استفادت من الدروس، فعملت على إصلاح أحوالها من الداخل، واستطاعت الاستمرار إلى اليوم، فيما غيرها لم تعتبر فكان زوالها سريعا، وأقرب الأمثلة على بذر أسباب الضعف داخل بيوت الحكم من الداخل ما كانت عليه الامبراطورية الفرنسية التي سقطت بقوة الجوع والنقمة على الأسرة الملكية حين جعلت طمعها ونزواتها مقدمة على الشعب الذي هو في النهاية درع الدولة.
هذا ما حفل به التاريخ ...فهل من متعظ؟
آخر الأخبار