تصاعدت حدة الجدل حول النفط والغاز الروسيين، اللذين أصبحا في قلب المواجهة بين موسكو والغرب، ولاسيما في ظل تصعيد الدول الغربية، وخصوصا الولايات المتحدة، من محاولاتها لما تصفه بـ"الاستقلال" عن واردات النفط الروسي.وبلغ التخوف من مواجهة "نفطية أو في الغاز" ذروته مع ما قاله الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، الجمعة الماضية، حول نية بلاده تزويد أوروبا بالمزيد من الغاز الطبيعي المسال كي تتمكن القارة العجوز من تقليص الاعتماد على إمدادات الوقود الأحفوري الروسية، بينما تعهد قادة الاتحاد الأوروبي بتسريع وتيرة الحد من استخدام بلادهم للوقود الروسي. وأفاد بيان مشترك من الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية بأن الولايات المتحدة ستعمل على ضمان إمدادات غاز طبيعي مسال إضافية لسوق الاتحاد الأوروبي بما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب في 2022 مع توقع زيادات في المستقبل.وتشير التقديرات إلى أن التعهدات الأمريكية صعبة التنفيذ للغاية لأكثر من سبب، منها حاجة الولايات المتحدة إلى من أسمتهم بـ"الشركاء" لتأمين وصول الكميات التي تعهدت بها واشنطن من الغاز إلى أوروبا ولم تجر واشنطن مباحثات واضحة مع كبار منتجي الغاز.فمجمل الإنتاج الأمريكي من الغاز المسال لا يتخطى 11.5 مليار متر مكعب سنويا، وتبدو احتمالات الزيادة الكبيرة في هذا الإنتاج غير قائمة في ظل أجندة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" المناخية من جهة وتحفظ غالبية المنتجين الأمريكيين على زيادة إنتاجهم .
وأعلنت أوروبا أنها تهدف لتقليص اعتمادها على الغاز الروسي بنسبة الثلثين حتى نهاية العام، ولكن قادة الاتحاد الأوروبي أخفقوا في التوصل إلى اتفاق بشأن حد أقصى لأسعار الغاز والكهرباء.ويعكس هذا الفشل صعوبة شديدة تعترض "طموح" الاتحاد الأوروبي لتقليص سريع للاعتماد على النفط وبدرجة أكبر الغاز الروسي، حيث تورد روسيا 40 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز وأكثر من ربع وارداته النفطية. وبالفعل أعلنت ألمانيا أنها ستخفض بشكل حاد اعتمادها الكبير على موارد الطاقة الروسية باستغنائها عن واردات الفحم بحلول الخريف وعن واردات النفط بحلول نهاية العام.أما بالنسبة للغاز الروسي الذي كانت ألمانيا تعتمد عليه بنسبة تفوق 55 بالمئة قبل الأزمة، فستكون العملية أطول. وتقدر الحكومة أن "الطريق لا يزال طويلاً ولن نتمكن من الاستغناء عن الغاز الروسي إلا عبر القيام بجهد جماعي". ولإدراك موسكو لأهمية الغاز تحديدا قرر الرئيس الروسي "فلادمير بوتين" أن يكون الوفاء بثمن الغاز باستخدام الروبل وليس الدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني .وتبدو الخطة الأمريكية بإمداد أوروبا باحتياجاتها من الغاز "طموحة" لكنها غير عملية، لأنها ستعني أيضا أن روسيا ستتجه بالغاز لدول مثل الصين وتركيا والهند وجل ما سيحدث هو إضافة مزيد من الضغوط التضخمية وتدعيم انقسام اقتصادي "شرقي- غربي" سيكون له تداعياته على الجميع ليبقى التساؤل عن مدى استعداد أوروبا للانسياق مع تلك الخطط رغم آثارها الاقتصادية السلبية عليها.