الاثنين 02 يونيو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الاقتصادية

هل تستطيع دول العالم الثالث الامتناع عن سداد ديونها بسهولة؟

Time
السبت 14 ديسمبر 2019
View
5
السياسة
في ديسمبر من عام 2008 فاجأ الرئيس الإكوادوري "رفاييل كوريا" العالم حين أعلن امتناع بلاده عن دفع مبلغ قدره 30 مليون دولار كان من المفترض أن تسدده الإكوادور للمقرضين الدوليين في نفس الشهر كفائدة على دين مستحق عليها قدره 510 ملايين دولار يجب سداده بالكامل في عام 2012. وجاء قرار "كوريا" على خلفية توصية صادرة عن لجنة أنشأتها الإكوادور قبل ذلك التاريخ بشهر واحد، نصحت فيها الرئيس بالامتناع عن سداد 40% من ديون البلاد البالغة في ذلك الوقت نحو 10 مليارات دولار.
الممانعة التي لم تدم طويلاً لكن بغض النظر عن عدالة قضيته من عدمها، فشل "كوريا" في النهاية في تنفيذ تهديده ولم يستطع الامتناع عن سداد ولو دولار واحد من تلك التي اقترضتها بلاده.
تلك الحادثة تثير سؤالاً مثيراً جداً للاهتمام طرحته قبل ذلك عالمة السياسة والاجتماع الأمريكية "سوزان جورج" حين قالت: "لماذا لا ترفض دول العالم الثالث ببساطة أن تدفع ديونها؟ هذا السلوك لم يكن غريباً على العلاقات الدولية طوال الخمسمائة عام السابقة على الحرب العالمية الثانية، فلماذا لم يعد ممكناً اليوم؟" وبالفعل نجد أن التاريخ مليء بحوادث امتنعت فيها دول عن سداد ديونها لمقرضيها وإن اختلفت الأسباب. وربما واحدة من أشهر تلك الحوادث هي امتناع المكسيك في عام 1861 عن سداد ديونها لكل من بريطانيا وإسبانيا وفرنسا، مما دفع الدول الثلاث لغزو المكسيك التي ظلت ثابتة على موقفها ولم تدفع لهم أي شيء في نهاية المطاف.
لكن الوضع تغير خلال العقود القليلة الأخيرة ولم يعد بإمكان أي دولة مهما كانت جرأة أو حماقة مسؤوليها التلويح بذلك الخيار حيث أقرضت 9 بنوك أمريكية فقط نحو 53 مليار دولار للمكسيك وحدها.
الآن تقترض المكسيك من الخارج لمجرد سداد ديونها الخارجية القديمة، وهكذا دخلت في حلقة مفرغة لا يمكنها أن تستمر إلا إذا ظلت بنوك وول ستريت على استعداد لتجديد ديون البلاد مستحقة الدفع بدلاً من تحصيلها.
الأموال تدخل في النهار وتغادر قبل حلول المساء وسط تلك الأوضاع السيئة أدرك المسؤولون الماليون في المكسيك أن بلادهم ستكون في حاجة ماسة إلى خطة إنقاذ دولية أو قرض من صندوق النقد الدولي إذا أرادت ألا تتخلف عن سداد ديونها الخارجية.
في البداية رفض الرئيس المكسيكي "لوبيز بورتيو" بشكل حاسم لجوء بلاده إلى صندوق النقد الدولي خشية الإذعان لما سمَّاها (الشروط المذلة)، ولكنه سرعان ما تخلى عن كبريائه واضطر في النهاية للجوء للصندوق، وبدأت البلاد في أوائل عام 1982 في تنفيذ برنامج التقشف الإصلاحي الخاص بصندوق النقد الدولي .
بحلول نهاية يونيو 1982 كان المركزي المكسيكي يفقد يومياً ما يتراوح ما بين 200 إلى 300 مليون دولار من احتياطياته الأجنبية التي انخفضت قيمتها لدرجة أنها لم تعد تكفي لتغطية واردات البلاد لأكثر من أسبوعين.
التخلف عن السداد لم يعد خياراً السؤال الآن: المكسيك في وضع متأزم وتسير بخطى ثابتة نحو كارثة مالية، فلماذا لا تقوم ببساطة بتعليق مدفوعات الديون إلى البنوك الأجنبية كما فعلت العديد من الحكومات المكسيكية الأخرى في الماضي؟ ببساطة كان المسؤولون يدركون أن هذا الخيار لم يعد ممكناً وأن إقدام المكسيك على تلك الخطوة ستكون له عواقب خطيرة فورية من بينها امتناع القطاع المالي العالمي عن توفير خدمات الائتمان لها، واهتزاز الثقة بالقطاع الخاص المكسيكي . السر وراء خوف المكسيك من الإقدام على تلك الخطوة كان يكمن في إدراكها لطبيعة مقرضيها الدوليين. ففي الثمانينيات كان الوضع مختلفاً تماماً عن الثلاثينيات حين كان مقرضو الحكومات مجرد مجموعة من البنوك والأثرياء غير المنظمين والذين لم يكن بإمكانهم إجبار الحكومات على أي شيء.
هذا معناه أنه إذا قررت المكسيك أو غيرها التخلف عن سداد ديونها لأي من البنوك الكبرى سيتحزب القطاع المالي العالمي بالكامل ضدها ولن يكون بمقدورها الحصول ولو على دولار واحد من أي مصدر بديل.
آخر الأخبار