الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

هل تغيرت السياسة الأميركية في الخليج العربي؟

Time
الأربعاء 26 يوليو 2023
View
12
السياسة
د. سالم الكتبي

السياسة الخارجية الاميركية في الخليج العربي، ومنذ الحرب العالمية الثانية تقوم على حماية مصالح واشنطن في هذه المنطقة الحيوية، التي تتمتع بإمكانيات جيوستراتيجية (الموقع وموارد الطاقة) هائلة، تجعلها محط أنظار القوى المتنافسة على قيادة النظام العالمي.
ومنذ نحو عقدين، تبلور توجه داخل الإدارات الاميركية المتعاقبة (ديمقراطية وجمهورية) بالتركيز على مواجهة ما يعتبره صانعو القرار تهديداً ستراتيجيًا صينياً، رغم أن هذا التوجه بدأ في حقبة التسعينيات، فإنه تبلور مؤسسياً عام 2012 حين أعلن الرئيس الأسبق باراك أوباما ستراتيجية "آسيا أولاً"، التي انطلقت من نقل بؤرة الاهتمام والوجود العسكري الاميركي من أوروبا إلى آسيا.
ورغم أن الستراتيجية الجديدة شددّت على العمل من أجل ضمان أمن الخليج العربي، من خلال منع إيران من تطوير قدراتها النووية، والتصدي لسياساتها المزعزعة للاستقرار، فإن الرئيس أوباما نفسه هو من نفذ هذه الرؤية الستراتيجية التي اعتبرها "لحظة تحول" بالنسبة للأمة الاميركية، من خلال توقيع إتفاق نووي مع إيران عام 2015، كان يعتقد أنه ضمانة لأمن واستقرار الخليج العربي، في حين أن هذا الاتفاق قد فتح باب الشرور على مصراعيه أمام تمدد النفوذ والمشروع الإيراني إقليمياً.
ورغم انسحاب إدارة الرئيس السابق ترامب من هذا الاتفاق، فإن سياساته الانعزالية قد حالت دون الالتزام بأسس الشراكة- التحالف القائمة بين دول "مجلس التعاون" من ناحية والولايات المتحدة من ناحية ثانية.
ثم تعرضت السياسة الاميركية تجاه الخليج العربي لمزيد من التآكل في عهد الرئيس الحالي جو بايدن اذ طغى الغموض على حدود التزامه بمتطلبات هذه الشراكة- التحالف، واكتفى المسؤولون بترديد تصريحات تتمحور حول أمن الشركاء الخليجيين دون الإنتقال قيد أنملة إلى تنفيذ هذه التعهدات ووضعها موضع التنفيذ، لاسيما حين تعلق الأمر بتعرض منشآت نفطية بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات لضربات نفذتها جماعة الحوثي اليمنية، فقد جاء رد الفعل الاميركي باهتاً ومتأخراً، وغلبت عليه اللغة الخطابية دون ترجمة الأقوال إلى أفعال. لم تتخل الولايات المتحدة طيلة الفترة الماضية علناً عن التزاماتها الأمنية حيال شركائها في دول "مجلس التعاون"، لكنها انتقلت إلى فكرة التعددية، والعمل المشترك مع الحلفاء، وهي فكرة لاحت في الأفق في عهد ترامب، إذ بدأ الحديث عن عدم قدرة واشنطن على مواجهة التحديات القائمة بمفردها، وانفرد الخطاب السياسي في عهد بايدن بالتركيز على الديبلوماسية، واعتبارها الأداة الأولى والردع بأدوات اقتصادية والكترونية (حروب سيبرانية)، وليس بالقوة الخشنة. وحصر الدور الاميركي تجاه الحلفاء في تعزيز قدراتهم الدفاعية الذاتية، وتبادل المعلومات، لا خوض الحروب، سواء بدلاً عنهم أو بالمشاركة معهم، مع التلميح بين الفينة والأخرى إلى الفكرة التي غرسها ترامب في الفكر السياسي الاميركي، بشأن ضرورة تحمل الحلفاء تكلفة الحماية والأمن، مع اختلاف أسلوب التطبيق بين الديمقراطيين والجمهوريين.
الواقع يقول إن إدارة بايدن قد اكتشفت بعد مواقف حلفائها في دول "مجلس التعاون" تجاه حرب أوكرانيا أن لإدارة الولايات المتحدة ظهرها لهؤلاء الحلفاء أثماناً باهظة، لذا فإن هناك محاولات لإعادة هيكلة السياسة التي انتهجها البيت الأبيض في السنوات الأخيرة حيال الخليج العربي، الذي اتجهت دولها إلى شركاء منافسين لواشنطن، وفي مقدمهم الصين وروسيا. هذه المحاولات لتغيير النهج الاميركي تفسر الأخبار والتقارير المتواترة التي تتحدث عن أوامر أميركية بنشر طائرات مقاتلة من طراز "إف 35" و"إف 16" وبوارج حربية متطورة بالقرب من الخليج العربي، أي في نطاق مسؤولية القيادة المركزية الاميركية، للدفاع عن المصالح الاميركية وحماية حرية الملاحة في مياه الخليج العربي، رداً على "أنشطة مقلقة" في الآونة الأخيرة من الجانب الإيراني في مضيق هرمز. قناعتي أن التغير المفاجئ في السياسة الاميركية يرتبط بدرجة كبيرة بمحاولة وقف التوجه الخليجي المتنامي للتعاون مع إيران عسكرياً، بعد أن وجدت دول "مجلس التعاون" أن أحد بدائلها في التصدي للتهديدات الإيرانية هو التنسيق والتعاون مع مصدر التهديد ذاته في ظل ضعف، أو تردد، أو غياب الموقف الاميركي الرادع للتهديدات الإيرانية.
ثمة تفسير آخر قدمته صحيفة أميركية يقول إن المدعين الفيدراليين الاميركيين غير قادرين على إجراء مزاد على نحو 800 ألف برميل نفط إيراني محتجزة على ناقلة يونانية قبالة سواحل تكساس، لأن الشركات الاميركية ترفض تفريغها. ونشرت الصحيفة إن الشركات الاميركية تخشى "الانتقام الإيراني"، ولا تريد شراء النفط، كي لا تكون ناقلاتها الهدف التالي للحرس الثوري الإيراني في مضيق هرمز.
هذا يعني انتقال حالة عدم الثقة في قدرات الحماية الاميركية من شركاء واشنطن الخليجيين إلى الداخل الاميركي نفسه، اذ أدت حالة عدم الثقة هذه إلى فشل في تطبيق سياسة العقوبات ضد إيران.
وهناك تفسير ثالث لتعزيز القدرات العسكرية الاميركية يكمن في رغبة واشنطن بإرسال رسالة واضحة للإيرانيين بشأن ترسيم حدود المصالح الاميركية في المنطقة، لاسيما في ظل تصاعد النبرة الإيرانية الداعية إلى إنهاء الوجود العسكري الاميركي في المنطقة، وربما يكون الهدف كذلك تعظيم الضغوط على طهران لانتزاع تنازلات في المفاوضات غير المباشرة التي تجرى حالياً بوساطة سلطنة عمان.
الاجراءات الأخيرة بشأن تعزيز الوجود العسكري الاميركي للدفاع عن حرية الملاحة في مضيق هرمز ربما تعكس تغيراً نسبياً طرأ على الفكر الاميركي، لكن من الصعب القطع أن هذا التغير هو مسألة طارئة، أم تعبير عن تغير فعلي في القناعات والستراتيجيات وتعديل في الأولويات.

كاتب اماراتي
آخر الأخبار