الجمعة 11 أكتوبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

همنغواي وميلر ونجيب محفوظ يبوحون بأسرار الكتابة

Time
الاثنين 15 أكتوبر 2018
View
5
السياسة
القاهرة - إيهاب الحضري:


منذ تأسست مجلة «باريس ريفيو» الفرنسية في العام 1953، أخذت على عاتقها إجراء حوارات مع كتاب ونقاد عالميين، حوارات لا تقتصر فقط على التطرق للمشروع الأدبي وعناصره وتجلياته، ولكنها حوارات إنسانية، عن الكتابة، سنوات النشأة، السياسة، المعتقدات الدينية.
المترجم المصري أحمد شافعي، التقط تسعة حوارات مع همنغواي، ميلر، بورخيس، فوينتس، كونديرا، أوستر، سونتاج، إكو، ونجيب محفوظ، ليترجمها وتصدر في كتاب اسمه «بيت حافل بالمجانين» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يضم الكتاب رؤى وتصورات هؤلاء الكتاب العظام حول الكتابة، وألعابها، وأسرارها، في حديث متصل منفصل ربما يمنحنا إجابة عن السؤال الكبير... سؤال الكتابة.
بالنسبة لإرنست همنغواي، فإنه يكتب كل صباح حينما يعمل على كتاب أو قصة، يشعر وقتها أنه مملوء عن آخره بطاقة تحتاج إلى تفريغ، شحنة هائلة من المشاعر والكلمات تنتظر من يدفعها إلى خارجه، ولا أحد غيره يقدر على دفعها للخارج. يقول: تبدأ مثلًا في السادسة صباحًا، وقد تستمر إلى الظهر أو تنتهي قبل ذلك، عندما تنتهي تكون فارغًا، أو كالفارغ، إذ أنك في الوقت نفسه تكون ممتلئًا ولست فارغًا بالمرة. كما يحدث لك بعد أن تكون مارست الحب مع شخص أنت تحبه، لا شيء بوسعه أن يضيرك، لا شيء بوسعه أن يقع لك، لا شيء يكون له أي معنى إلى أن يأتي اليوم التالي وتفعلها من جديد، الانتظار حتى اليوم التالي هو الجزء صعب الاحتمال.
والانضباط شرط أصيل من شروط الكتابة عند صاحب «العجوز والبحر» الذي يؤكد أن الانضباط ضروري له، ومن الممكن جدًا اكتسابه بالوقت والممارسة. هذا الانضباط يدفعه يوميًا لإعادة قراءة ما كتب حتى آخر نقطة انتهى عندها بالأمس: «إعادة القراءة تضعك في النقطة التي لابد أن تواصل منها، معرفتك بها أمر جيد، ووصولك إليها أيضًا. أما العصارة فهي موجودة في هذا الموضع أو ذاك».
يكتب همنغواي تحت أي ظروف، وفي أي وقت، ولكن ثمة حالة معينة تصبح عندها الكتابة أفضل ما يكون: «أفضل الكتابة يقينًا هي التي تأتي وأنت في حالة حب».
بينما يكتب هنري ميلر، يترك الكتابة تنساب تمامًا من دون أي تدخل منه، بمعنى أنه لا يحذف أو يضيف شيئًا، حتى ينتهي الكتاب تمامًا بكل ما فيه، ربما وجد ما يستدعي المراجعة أو التعديل، غير أنه يتركه على حاله حتى ينتهي تمامًا من عملية الكتابة: «لا ألجأ مطلقًا للتصحيح أو المراجعة أثناء عملية الكتابة، لنفترض أنني أكتب شيئًا بأي طريقة كانت، بعدها، بعدما يبرد، أنا أتركه يستريح فترة، شهرًا أو اثنين، أنظر فيه بعين باردة، وأقضي فيه وقتًا رائعًا، بالضبط أعمل فيه ببلطة. لكن ليس دائمًا. في بعض الأحيان يأتي بالضبط، كما أردت له»
طاقة مكبوتة
لسنوات، ظل كارلوس فوينتس محرومًا من الكتابة حيث كان يعمل ديبلوماسيًا، والدبلوماسية عنده نقيض للكتابة: «الكتابة تستوجب تركيز الكاتب، تستوجب عدم القيام بشيء سواها، فكانت لدي طاقة كبيرة مكبوتة، هي التي تتدفق الآن».
يكتب فوينتس بالقلم، حتى إذا شعر أنه امتلك الكتابة، ترك القلم ليستريح، ثم يصحح هو المخطوطة، ويكتبها على الآلة الكاتبة مستمرًا في تصحيحها حتى اللحظة الأخيرة.
والكتابة عنده تكتمل تمامًا في ذهنه قبل الشروع لوضعها على الورق، بمعنى ألا يبدأ الكتابة إلا بعد اكتمال جميع عناصرها للنهاية. يقول: «عندما يأتي الوقت الذي تكون فيه الكتابة موضوعة على الورق، تكون عمليًا منتهية، لا تكون هناك مشاهد أو حتى جمل ناقصة، أكون عارفًا بصورة أساسية كيف تجري الأمور، وتكون ثابتة بقدرٍ كبير، ولكني في الوقت نفسه أضحي بعنصر المفاجأة داخلي».
هنا، يضرب فوينتس فكرة الإلهام في مقتل، فالرجل لا ينتظر وحيًا يهبط عليه داخل غرفة مكتبه، بل حين يمسك بالقلم أو يلجأ لآلته الكاتبة، فإنه يكون عارفًا بكل شيء سيحدث، وملمًا ببواطن الأمور على نحو كامل، بمعنى أن دوره ليس أكثر من ترجمة الأفكار إلى كلمات مطبوعة على الورق.
ثمة هاجس ما، يراه فوينتس شرطًا أصيلًا لشروع الكاتب في عمله: «الكتاب جميعًا يعيشون على عدد من الهواجس، بعض هذه الهواجس يأتي من التاريخ، غيرها يكون فرديًا محضًا. هواجسي أنا موجودة في جميع كتبي، وهي ذات علاقة بالخوف، كتبي جميعًا موضوعها الخوف».

تخطيط
لا يعتمد نجيب محفوظ على نظام واحد في الكتابة، إذ أنه يكتب القصص بتخطيط يختلف عن نظامه عندما يشرع في كتابة رواية. يقول: «قصصي القصيرة تأتي من قلبي مباشرة، أما الأعمال الأخرى فأجري بحثا مسبقا، فقبل أن أبدأ الثلاثية مثلًا أعددت ملفًا لكل شخصية، ولو لم أفعل ذلك لتهت ونسيت أشياء. أحيانًا تنبثق ثيمة من الأحداث في قصة، وأحيانًا تكون في ذهني ثيمة، قبل أن أبدأ».والتأليف عند صاحب «أولاد حارتنا» سهل بسيط، يفعله كحدث يومي يمر به باستمرار. هو يقابل أشخاصا، يتعرض لمواقف، يمر بأحداث، وهذا موجود كل يوم، بهذه الطريقة يكتب محفوظ حكاياته، حيث من التجارب ما يترك انطباعًا عميقًا يجعله يكتب عنه رواية بدلًا من أن يتحدث عنه كالآخرين.
يحكي محفوظ عن أصعب موقف قابله في حياته، كانت إجابته مفاجأة، تعلق الأمر أيضًا بالكتابة، هذه التي منحها محفوظ كل شيء، وقته، وحياته، وصحته. يؤكد: «أصعب موقف هو قراري بتكريس حياتي للكتابة، والقبول تبعًا لذلك بأقل مستوى معيشي لنفسي ولأسرتي، وازداد الأمر صعوبة حينما لاح أمام عيني طريق المال، في سنة 1947، حينما سنحت لي فرصة أن أصبح كاتب سيناريو مع أفضل مخرج في المجال. بدأت العمل مع صلاح أبو سيف ولكنني توقفت ورفضت الاستمرار. ولم أعد للعمل معه مرة أخرى إلا بعد الحرب العالمية الثانية، حينما أصبح كل شيء باهظ الثمن».

كاتب كبير
في سن السادسة عشرة، وبعد عام من إدراكه أنه لن يصبح لاعب بيسبول كبيرا، بدأ بول أوستر في التفكير في الكتابة، وأنه ربما يصبح كاتبًا كبيرًا: «كان البيسبول تقريبًا هو كل شيء في حياتي» يوضح أوستر.
وعلى مدار عشر سنوات ظل أوستر يكتب الشعر. آخر قصيدة كتبها كانت في العام 1979، يقول عنها إنها قصيدة لا تستحق أن تُذكر. فشل كشاعر، اصطدم بحائط وظن أنه انتهى، حيث كان يوجه كل طاقته في الشعر، الذي استنفده تمامًا، شعر حينها أنه نضب، وعلى مدار عام كامل لم يكتب شيئًا: «كانت لحظة قاتمة في حياتي، تصورت فيها أنني انتهيت ككاتب» يقول أوستر الذي يتابع: «عندما بدأت مرة أخرى في التحرك بعد اكتئاب استمرعاما، جاءت الكلمات نثرًا. كان الشئ الوحيد المهم هو قول ما ينبغي قوله، دونما اعتبارات لأي قناعات مسبقة، ودونما قلق على الشكل الذي ستكون عليه. كان ذلك في أواخر السبعينات وواصلت العمل بهذه الروح منذ ذلك الحين».
ثمة خوف دائم يستبد ببول أوستر عندما يتعرض للكتابة على لوحة المفاتيح سواء على جهاز الكمبيوتر أو الآلة الكاتبة، لذلك فهو يكتب بالقلم الرصاص أو الجاف، لا يهم. يوضح: «لم أستطع قط أن أفكر تفكيرًا صافيًا بينما أصابعي تتخذ هذه الوضعية. القلم أداة أكثر بدائية، تشعرك أن الكلمات طالعة من جسمك، وأنك تحفر لها في الورقة. طالما كانت للكتابة عندي هذه السمة الحسية. هي عندي تجربة فيزيقية».

انفجارات
لا تكتب سوزان سونتاج كل يوم. فقط، حينما تضطر، تندفع سونتاج نحو الكتابة، تقول إنها تكتب في انفجارات، حينما يتراكم الضغط داخلها، فتشعر حينها بما يكفي من الثقة في أن ثمة ما نضج داخل رأسها، وأن بوسعها أن تدونه، وبمجرد حدوث ذلك، فإنها لا تفعل شيئًا غيره: «لا أخرج، وفي أغلب الحالات أنسى أن آكل، وأنام قليلًا جدًا، وهذه طريقة شديدة الفوضوية في العمل، وتجعل إنتاجي غير غزير للغاية، ولكنني مهتمة أيضًا بأشياء أخرى كثيرة».
وتعتبر القراءة هي المحفز الأول على الكتابة بالنسبة لسونتاج، التي تنظر للكتابة كوقت مقتطع من القراءة، عالمها الأصلي، الأشمل. وعلى دفاتر من ورق أصفر، وبقلم فلوماستر أو رصاص، تشرع في الكتابة: «أحب بطء الكتابة باليد، ثم أطبع على الآلة الكاتبة بسرعة، ثم أعيد الطباعة، ومع كل إعادة بالعمل، أدخل تصحيحات إما باليد أو على الآلة مباشرة».

روتين
المكان يحدد نظام الكتابة عند أمبرتوإكو، مثلًا عندما يكون في بيته الريفي على قمة تلال مونتيفلترو، يكون لديه روتين محدد يسمح له بالعمل وفق تخطيط لا يخل به أحد، ذلك لأن أحدًا لن يزعجه. يفتح الكومبيوتر، يستعرض بريده الإلكتروني، يبدأ في القراءة، ثم يكتب حتى المساء، أما في الجامعة بميلانو، فإنه لا يكون سيد وقته، وبالتالي لا يستطيع العمل والكتابة وفق تخطيط مسبق.
يؤكد إكو أن من المستحيل عنده أن يكتب تبعًا لجدول زمني محدد: « قد يحدث أن أبدأ الكتابة في السابعة صباحًا فلا أنتهي قبل الثالثة ليلًا، من دون أن أتوقف إلا لتناول ساندوتش، وأحيانًا لا ينتابني شعور إلى الكتابة مطلقًا».
يضيف: «الكتابة لا تعني بالضرورة وضع كلمات على ورق، يمكنك أن تكتب فصلًا كاملًا وأنت تتمشى أو وأنت تأكل».





آخر الأخبار