السبت 21 سبتمبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

هند بنت عمرو

Time
السبت 19 مايو 2018
View
5
السياسة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ان أمرها اطاعته وان نظر اليها سرته وان اقسم عليها ابرته وان غاب عنها نصحته- حفظته- في نفسها وماله». نتناول سيرة زوجات الصحابة المؤمنات القانتات الخاشعات المتصدقات الصائمات، لنضع بين يدي البيت المسلم الاسوة الحسنة والقدوة الطيبة لتقتدي نساؤنا بهن.


الصحابية الجليلة هند، والدها عمرو بن حرام، أخوها النقيب عبدالله بن عمرو بن حرام شهيد الإسلام في أحد، وهي عمة جابر بن عبدالله راوي الحديث المشهور، وأما زوجها فهو عمرو بن الجموح أحد زعماء يثرب في الجاهلية، ومن أشراف الأنصار في المدينة.
ويقول الأستاذ محمود طعمة حلبي في كتابه "المائة الأوائل من صحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم": بعد انتشار الإسلام في المدينة على يد مصعب بن عمير المقرئ سفير رسول الله ليعلم أهلها أحكام الدين، ويقرأ فيهم القرآن. وعندما علم أهل المدينة أن مصعب بن عمير نزل ضيفا على أبي أمامة أسعد بن زرارة أم الناس بيته ليسمعوا ما جاء به، وكان أبناء هند الثلاث معوذ ومعاذ وخلاد قد سبقوا إلى الدخول في الدين الجديد دون علم أبيهم عمرو، وآمنت هند بما آمن به بنوها، وكتمت ذلك عن زوجها حتى تسنح الفرصة لهم ليجهروا بإيمانهم.
وكان أبناء عمرو مواظبين على مجالس مصعب، وكانوا يعودون إلى منزلهم ويعلمون أمهم ما حفظوه من آيات القرآن الكريم، وأحكام الدين القويم في غياب أبيهم، ولما بدأت بيوت المدينة تتحدث عما يجري في مجالس مصعب، وأخذ أتباعه يكثرون، خاف عمرو أن يتأثر أبناؤه بقوله ويصبحوا من أتباعه فنادى زوجه هندا، وقال لها: حذار يا هند من أن يلتقي بنوك بهذا الرجل الآتي من مكة لئلا يفسدهم علينا، فقالت له بهدوء: اطمئن، ولا تخش شيئا عليهم.
وكان معاذ بن جبل صديقا لمعاذ بن عمرو بن الجموح وحكى ابن عمرو لصاحبه عن تمثال أبيه الذي يعبده من دون الله، فاتفقوا أن يأتي معاذ بن جبل في الليل ويساعد أبناء عمرو في نقل الصنم ورميه في إحدى المزابل، ولما أخلد عمرو إلى النوم جاء ابن جبل لينفذ ما اتفق عليه مع أبناء عمرو، ثم حملوا الصنم وأكبوه على وجهه بين القمامة والأقذار.
وصحا عمرو بن الجموح صباحا وذهب إلى غرفة مناة"صنمه" ليؤدي وجباته اليومية نحوه فلم يجده، وراح يصيح ويهدد، ثم نادى على هند وأولادها، فأنكروا علمهم بما حل به، وغادر المنزل ليبحث عنه ثم عاد بعد قليل، بعد أن وجده بين أكداس القمامة، وجلس ينظفه ويدهنه ويعطره، ووعده بالانتقام له ممن عدا عليه.
وعجبت هند وبنوها مما يصنعه رجل سيد في قومه، إذ يكلم خشبة صماء، ويعتذر لها دون أن يسمع جوابا لما يقول له، وجاء عمرو بسيف وعلقه في عنق مناة حتى يدافع به عن نفسه إذا تكرر ما حدث له في الليلة الآنفة.
ولما نام الشيخ جاء معاذ بن جبل وتعاون مع أبناء عمرو ثم حملوا الصنم ورموه فوق المزبلة، وجاؤوا بجيفة كلب وربطوها في عنقه، ثم انصرفوا عنه وكأن شيئا لم يكن.
ولما استيقظ عمرو في اليوم التالي، فوجئ بغياب مناة فعلا صراخه وكثر تهديده، ثم انطلق خارج المنزل، فلما رآه مكبا على وجهه، وجيفة الكلب في عنقه، والسيف معه دون أن يدافع عن نفسه علم أنه غير جدير بأن يكرم ما دام راضيا أن يهان، ثم تركه في مكانه وعاد إلى بيته بادي الأسى ورأته هند وأبناؤه حزينا فسألوه عما يحزنه، فلم يجبهم بشئ، ثم قال لهند: لعل أحد من بنيك لم يخالف ما حذرتك منه! قالت: أجل! ولكن ربما يكون معاذ قد سمع شيئا من هذا الرجل المكي، فهلا ناديته ونادى عمرو ابنه، فقال: لبيك يا أبي، ولما مثل بين يديه قال له: ألم تحفظ شيئا من هذا المقرئ القادم إلينا من مكة؟ قال: بلى يا أبي! قال عمرو: هلا أسمعتني بعض ما حفظت، قرأ معاذ سورة الفاتحة.
فتمتم عمرو كمن يحدث نفسه وراح يقول: ما أجمل هذا الكلام! ثم قال لابنه: هل كل كلامه بهذا البيان والجمال ؟ وسر معاذ وقال: نعم يا أبي، كل كلامه حلو وجميل، فهلا ذهبت إليه، وسمعت منه، وبايعته، فإن أشراف القوم من سادة الأوس والخزرج قد سبقوك إليه، وآمنوا بما جاء به.
وتحمست هند وقالت: لو سمعت كلام الفتى، وذهبت إليه، وبايعته فقال: سأشاور آلهتي، فقال معاذ: وهل تنتظر الجواب من خشبة صماء خرساء، فقال عمرو: ما هذا الذي تقوله؟ قال: لا شيء يا أبي لا شيء.
ثم قال عمرو لنفسه: نعم إنها خشبة صماء خرساء لا تدرك ولا تحس ولا تعي، والتفت إليهم وقال: ألستم على ما أنا عليه؟ فردت هند وبنوها بفتور: بلى، أنت سيدنا، فقال عمرو: إذا اشهدوا أنني آمنت، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.
واكتملت فرحة الأسرة، وغمرتهم سعادة لم يعرفوها من قبل، وأرسل عمرو يدعو مصعبا لزيارة بيته، ولبى مصعب الدعوة فطهر بيتهم من رجس الأوثان، وعطره ببعض آيات القرآن.
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة كانت أسرة عمرو بن الجموح على رأس مستقبليه.
وكان عمرو بن الجموح يشكو من العرج في ساقه، وحين سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخرج إلى قتال المشركين في بدر، أسرع إلى داره يجهز نفسه للخروج، إلا أن هندا وأبناءها أبدوا اعتراضهم على خروجه لما يعانيه واستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لرغبتهم، وبقى عمرو وخرج بنوه، وانتصر المسلمون على المشركين.
وفوجئت هند وأبناؤها بدخول عمرو إلى المنزل وقد غمرته نشوة وسرور لم يشهدوهما من قبل، وحين رأوه يحمل سلاحه، قالوا: إلى أين يا أبا معاذ؟ قال: سأحقق حلمي، وأخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، قالت هند: يا أبا معاذ، أنت غير قادر على الجهاد، وقد عذرك الله حيث قال: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) فلا ترهق نفسك، فقال عمرو: والله يا هند لأمشين عليها في الجنة.
وبلغ عمرو مناه فقد استشهد في أحد، وكان شريكه في الشهادة أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام، أخو هند، والتقت هند ببعض نساء ينظرن أقارب لهن بين الشهداء، وقد روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا صبيحة يوم أحد عند السحر، فإذا امرأة أقبلت بين عدلين فقلت لها: ما الخبر؟ قالت: خيرا، دفع الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين، واتخذ الله من المؤمنين شهداء، ثم بكت، قال تعالى: "(ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا).
وكانت هند بنت عمرو رضي الله عنها قد رغبت في نقل جثتي زوجها عمرو وأخيها أبي جابر إلى المدينة لدفنهما هناك، فلما أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يدفن الشهداء حيث صرعوا تركتهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إن منكم من لو أقسم على الله لأبره، منهم عمرو بن الجموح، رأيته يطأ الجنة بعرجته"، ثم أمر الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنا في قبر واحد لأنهما كانا متحابين في الدنيا متصافيين.
وعادت هند الصابرة المحتسبة إلى المدينة مخلفة وراءها أعز شهيدين، وظلت على عهدها لله ورسوله، صوامة قوامة حتى وافاها أجلها، رحمها الله تعالى ورضي عنها.
آخر الأخبار