محمد الفوزانما أسرع تصرم الأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، كيف مضى عام بهذه السرعة؟كنا بالأمس في أوله، وها هو انقضى ودخل غيره، فهل ذهبت بركة الأوقات، ولم نشعر بتصرِّمها، أم أننا قد أدركنا علامة من علامات الساعة، تكون السنة فيها كالشهر، فوالله كأن سنيننا شهورٌ؟أم أنها نعمة من نعم الله على عباده، قد وسَّعَ لهم في الرزق، وعافاهم في البدن، وأنعم عليهم بالأمن، فلم يشعروا بمضي الأوقات، ولا بتعاقب الليل والنهار؟انقضت السنة الهجرية والبشرية ترزح في بلاء عمّها وحصد أرواحها ولا تزال تعاني منه ولا تدري كيف المخرج، بينما المخرج منه هو العودة إلى الله تعالى، وتجنب المعاصي والظلم والطغيان، ولا يزال الاستكبار العالمي يحمل مشروعه الأساسي اليوم، وهو الإلحاد والمثلية وشيطنة الإسلام والمسلمين، أي الحرب على الله تعالى، ولا تزال البشرية لم تتعلم الدرس من هذا البلاء المنصب عليها عقوبة من الله على ما ترتكبه من الظلم والظلمات والطغيان، وهذا والله أيضاً من البلاء.عن عبيد الله بن مُحصِن الأنصاري، قال:" قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)": من أصبح منكم آمنًا في سِرْبِه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)، فهل يشعر بمضي الساعات من سلم من الأسقام، وهل يحس بمرور الأيام من كُفِي هم الرزق، وهل يُحس بانقضاء الشهور من أمِنِ في ماله ونفسه وعرضه؟كم من المسلمين يفتقدون إحدى هذه الخصال أو كلَّها، فكيف تكون أيامهم، وكيف تمر بهم الساعات، وعلى أي شيء تنقضي الشهور؟.قال صلى الله عليه وسلم: " اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمِك، وحياتَك قبل موتِك، وفراغَكَ قبل شُغْلِك، وصِحَّتَك قبل مرضِك، وغِنَاك قبل فقرك".وكان ابن عمر يقول:" اذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"(رواه البخاري).سنة كاملة بساعاتها، وأيامها، وشهورها، فكم عملنا فيها من أعمال قد نسيناها، لكنها عند الله محفوظة، وفي صحائف الأعمال مرصودة، وغدًا سنوفاها، يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"(سورة المجادلة 58/6).هل زادت أعمارنا أو نقصت، هل انقضاء الأعوام يزيد في الأعمار أم يُنقصها؟إن للعمر طرفين، طرفٌ من قِبَل المولِد، وطرفٌ من قِبَل الأجل، فكلما انقضى عام ابتعدت عن يوم مولِدِك، واقتربت من يوم نهايتك، وأنت منذ خرجت إلى الدنيا تهدِمُ في عُمُرِك وتُنقِصُ من أجلِك.أرأيت إلى هذا التقويم الذي نضعه فوق مكاتبنا في بداية كل عام، أو نعلقه على حوائطنا، إنه مليء بالأوراق، وفي كل يوم نأخذ منه ورقة واحدة فقط، وفي نهاية العام لا يبقى منه إلا الجلدةَ فقط، هكذا عُمْري وعُمْرُك يا أخي، مجموعة أيام، وليال، كلما مضى يوم أو ليلة نقصت أعمارنا، ونقص رصيد أيامنا في هذا الحياة حتى ينتهي ذلك الرصيد، ثم نغادر هذه الدنيا.كم يتمنى المرء تمامَ شهرِه، وهو يعلم أن ذلك يُنقص من عُمُرِه. كيف يفرح بالدنيا من يومُه يهدِمُ شهْرَه؟ وشهرُه يهدِم سنتَه؟ وسنتُه تهدِم عُمُرَه؟ كيف يفرح من يقودُه عمرُه إلى أجلِه، وتقودُه حياتُه إلى موتِه؟قال الحسن البصري:"يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك"."إنا لنفرح بالأيامِ نقطَعُهاوكلُّ يومٍ مضى يُدْني من الأجلِفاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدافإنما الرِّبح والخسران في العمل"وقال الفضيل بنُ عياضٍ لرجل: كم أتى عليك؟قال: 60 سنة.قال: فأنت مُنذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشِكُ أن تبلُغ.فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.قال الفضيل: أتعرف تفسيره؟ تقول:إنا لله وإنا إليه راجعون. فمن علِم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، ومن علِم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول، فليُعِدَّ للسؤال جوابا.فقال الرجل: فما الحيلة؟قال: يسيرة.قال: ما هي؟قال: تحسن فيما بقي يغفرْ لكَ ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخِذتَ بما مضى وما بقي، والأعمالُ بالخواتيم."ومن لم يزده الســنُّ ما عاشَ عبرةًفذاك الذي لا يستنير بنورِوما هذه الأيامُ إلاَّ مراحِلُيحثُّ بها داعٍ إلى الموتِ قاصدُ وأعجَبُ شيءٍ لو تأمَّلت أنَّهامَنازِلُ تُطوى والمُسافِرُ قَاعِدُ". وكل عام وأنتم بخير.إمام وخطيب
[email protected]