الاثنين 30 سبتمبر 2024
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
وداعاً استاذ كريم
play icon
صورة تجمع السفيرين كريم الشكر وصلاح المالكي وخلفهما الصورة التاريخية لرفع علم مملكة البحرين بعد قبول انضمام البحرين عضوا في المنظمة الدولية
الأخيرة

وداعاً استاذ كريم

Time
الثلاثاء 25 يوليو 2023
View
12
السياسة
صلاح علي المالكي

كيف لتلميذ أن ينعى أستاذه الذي لم يرو بعد عطشه من التعلم منه، والنهل من بحر معلوماته الغنية، وخبرته الثرية، وهو ما زال يتدفق في ذروة عطائه.
كيف لتلميذ أن ينعى أستاذه الذي كان يعمل معه مدة 14 ساعة مكتبية يوميا (اثناء عضوية البحرين غير الدائمة في مجلس الامن 1998- 1999)، دون كلل او ملل؟
كيف اصف الفضل الكبير والشرف العظيم الذي ميزني به كتلميذ، وابن في آن واحد، كيف أصف شعوري، وانا مازلت ألملم ذكرياتي الطويلة معه التي استمرت لاكثر من 25 سنة (ربع قرن من الزمان) بكل حرقة، وألم، والكلمات تتبعثر، وعيناي تنهمران بالدموع بكاء على من علمني المعنى الحرفي لأجاهد أن أصبح ديبلوماسيا مهنيا مثله؟
فالحمد لله على نعمة الإسلام، والتسليم بقضاء الله وقدره، التي اهون بها عليَّ هذه المصيبة الكبيرة والفاجعة الأليمة، بفقدانه، ورحيله السريع حيث ما زلت لا استوعب وقعها.
رحمك الله يا استاذي، ومعلمي، وملهمي، وأبي الروحي بكل ما تحمله الكلمات الوصفية من معان، الى جنة الخلد يا عراب الأمم المتحدة، وفارسها، وفاتح دهاليزها، وسابر اغوارها احببت وطنك، وتعصبت بكل قوة له، فكنت مثالا للسور العظيم في الدفاع عنه بكل شجاعة، وبسالة.
واخلصت لقيادتك بكل ما تملك من وفاء وولاء لراية العز والفخر، وكنت المخلص المجد في العمل والعطاء من دون كلل او ملل كنت مثالا للديبلوماسي اليافع الذي شق طريق النجاح بالمثابرة، والتعلم كنت استاذا للديبلوماسية البحرينية، وخير من حمل لواءها في كل عواصم العالم بولائه واخلاصه لقيادته، ووطنه وشعبه، كنت رجلا وفيا لداعمك الأول ربان الديبلوماسية البحرينية، ومهندسها الأول، ومشيّد أسسها، ومسطر موازينها، وواضع مبادئها المعتدلة والمتزنة، مالك صولجانها، وباني اعمدتها، ورافع رايتها بين الأمم، معلمك وملهمك الأول، وملهم جميع الديبلوماسيين البحرينيين سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، أطال الله في عمره، الممثل الخاص لجلالة الملك المعظم الذي كان حينها وزيرا للخارجية في أحلك الظروف وأصعبها، والذي لم تنفك تذكر مآثره ومناقبه عليك، وما تعلمت من سموه، لتعلم أجيال الديبلوماسية البحرينية في الوزارة المعنى الحقيقي للديبلوماسي الوفي.
كل دقيقة قضيتها معك كانت بمثابة سنين من التعلم، سواء عندما كنت اول مدير في حياتي الديبلوماسية المهنية، او عندما زكيتني عند سموه بالابتعاث الى مدينتك التي احببتها واحبتك (نيويورك، وبعثة الامم المتحدة) لأكون في ذلك المبنى الزجاجي الازرق الشاهق، كما كنت تطلق عليه.
وتقول لي ان سمو الشيخ محمد بن مبارك يعتبره المدرسة الشاملة للديبلوماسيين من كل انحاء العالم، فكنت خير الداعم لي والمتابع والمحفز.
لم استطع منافستك في تلك المدرسة العريقة، سواء في سر نجاحك وتفوقك فيها، او في حبك للعمل داخلها، لكن كنت أحاول ان أجاريك بكل ما استطيع من جهد، لعلي ابلغ ما بلغت من معرفة واطلاع، لكن هيهات ان يكون لك شبيه، فأنت عراب الامم المتحدة الذي عاصرت اوج عملها التقليدي في احلك الظروف، واقساها، واجملها في آن واحد، وبنيت خبرة متراكمة كبيرة لن يستطيع احد غيرك بلوغها.
ومع ذلك كنت متواضعا خلف اي معلومة، سواء من صغير او كبير، كنت متواضعا، ولا تعتد بنفسك مهما بلغت من العلم والمعرفة.
وداعا استاذ كريم الشكر، وداعا يا ابن البحرين البار، وابن وزارة الخارجية المخلص، الذي لن تلد الوزارة مثله، فكنت المخلص لها حتى اخر لحظة في حياتك.
لن ننساك، ولن تنساك البحرين، ولن تنساك وزارة الخارجية التي كنت فيها قبل رحيلك بأيام، وكأنك تودعها.
لن تنساك الوزارة بكل اركانها، وشخوصها، ومكاتبها وموظفيها، وزملائك، وتلاميذك، واصدقائك في مشارق الارض ومغاربها.
ولن ينساك ذلك المبنى الازرق العتيد في نيويورك، وكل دهاليزه، وقاعاته التي كنت تصدح فيها بكلمات وثقت في وثائقها.
ولن ينساك من زاملك وعاصرك في تلك الفترة، وفي مقدمهم صديقك الصدوق الشهم الوفي اخوك، الذي لم تلده امك، نديمك وخليلك في السراء والضراء السفير محمد ابو الحسن، والصولات والجولات بينكما، ولن تنساك دولته، دولة الكويت الشقيقة ورجالها الاوفياء المخلصون، الذين لم ينسوا مواقفك اثناء الغزو الغاشم عليها، سواء اثناء تواجدك في نيويورك عندما اقترحت استخدام مصطلح "الغزو" بدل كلمة "عدوان"،
او نشاطك في العاصمة لندن في تلك الفترة الحرجة.
ولن ينساك عمرو موسى، وجميع ديبلوماسيي العالم الذين عرفوك، وستبقى مثلا حيا لنا جميعا في المعنى الحقيقي للديبلوماسي المحنك المعطاء في حبك وعطائك واخلاصك.
فقد كانت اخر امنية تسعى الى تحقيقها هي ان تجمع كلمات سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة في الدورات الاستثنائية للجمعية العامة لتهديها لسموه، وكنت تنوي الذهاب الى نيويورك من اجل ذلك، وكان اخر اتفاق بيننا ان نرتب جميع الكتب بمواضيعها في مكتبتك الخاصة، وكانت اخر هدية تسلمتها من يدك قلما عليه شعار مملكة البحرين، وكتابا لم اتسلمه وسط الكم الهائل من الكتب (سموحي فوق العادة)، الذي يعتبر مرجعا لكل الديبلوماسيين، حيث لا انسى نصحيتك ووصيتك لكل ديبلوماسي (اقرأ ثم أقرأ ثم أقرأ).
كنت فريدا من نوعك بكل المقاييس، وفيا لقيادتك، وكريما بعطائك، ومحلقا بنشاطك الذي لا مثيل له، ولعل ابلغ شاهد على ذلك رحلتك الاخيرة الى الهند التي كانت بتاريخ 18 يوليو 2023 للبحث عن وثائق تاريخية من الجامعة التي تخرجت منها، وعندما سألتك متى تعود من رحلة السفر، ذكرت لي انك حجزت رحلة ذهاب فقط، لانك لا تعرف متى ستنهي مهمة البحث عن تلك الوثائق.
وفعلا كانت رحلة ذهاب ووداع اخيرة عن احبابك بصمت وسرعة، ومفاجأة فاجعة لم اتوقعها أبدا.
رحمك الله يا أبا أريج، رحمك الله بعدد النجوم يا كريم العطاء المهني والديبلوماسي الفريد والسخاء الانساني النفيس، والابوي العظيم لكل من عرفك.
وداعا استاذ كريم عند رب كريم، وعزائي الكبير لكل محبيك.
ابنك وتلميذك.

آخر الأخبار