كل الآراء
"وداوني بالتي كانت هي الداء"
الأحد 07 أكتوبر 2018
3660
السياسة
مشعل عثمان السعيدالدواء، هو العلاج الذي يأخذه المريض لمرض أصابه. والدواء مفرد، الجمع منه الأدوية، ولا يتداوى المرء إلا اذا كان مريضا، ومرادفات كلمة دواء: بلسم، علاج، عقار، ترياق، والضد من دواء، داء، سقم، علة، مرض، أما الداء فهو المرض ظاهراً أو باطناً، والجمع منه: أدواء، والسؤال: كيف يداوي المريض نفسه بالداء الذي يعاني منه؟ إنه أمر مستغرب، لنطالع بيت الشعر كاملاً ليتضح لنا المعنى أكثر، هو يقول:دع عنك لومي فإن اللوم اغراءوداوني بالتي كانت هي الداءصاحب هذا البيت المعروف أبو نواس، وهو يوجه بيته الى من لامه على شرب الخمر، فيقول له: ان عتابك الشديد لي غير مجد، ولا فائدة منه على الاطلاق، فتوبيخك وعذلك يزيدني حباً ورغبةً في الخمر، فكلما لمتني أكثر فإنني سأشربها أكثر، فالخمر دائي ودوائي، لأن "أبا نواس" يعتبر الخمر طاردة للهم، باعثة للأنس، هذا ما يراه ويعتقده الشاعر العباسي الشهير. دعونا نتأمل بعض أبيات هذه القصيدة:دع عنك لومي فإن اللوم اغراءوداوني بالتي كانت هي الداءصفراء لا تنزل الأحزان ساحتهالو مسها حجر مسته سراءقامت بإبريقها والليل معتكرفلاح من وجهها في البيت لألاءفأرسلت من فم الابريق صافيةكأنما اخذها بالعين إغفاءرقت عن الماء حتى ما يلائمهالطافة، وجفا عن شكلها الماءفلو مزجت بها نوراً لمازجهاحتى تولد أنوار وأضواءدارت على فتية دان الزمان لهمفما يصيبهم إلا بما شاؤوالتلك أبكي ولا أبكي لمنزلةكانت تحل بها هند وأسماءحاشى لدرة أن تبنى الخيام لهاوأن تروح عليها الابل والشاءفقل لمن يدعي في العلم فلسفةحفظت شيئاً وغابت عنك اشياءالبيت الأخير في هذه القصيدة بيت حكمة، فمدعي العلم ليس بعالم وان أوهم الناس بذلك، وأبو نواس ذكرته في السلسلة المئوية "بيت سائر.. قاله شاعر" في الجزء الأول والثاني، إلا أن هذا الشاعر لا يستغني عنه كتاب أدب وشعر، لغزارته ورصانة شعره وشهرته الواسعة، خصوصاً حكمه ومديحه ورثاءه وغزله وخمرياته التي لا تجارى ولا تبارى، هو الحسن بن هانئ بن عبدالأول بن الصباح الحكمي، ولد في الأهواز "الأحواز" جنوب غرب إيران لأب دمشقي، وأم فارسية، في خلافة أبي جعفر المنصور سنة "145 هـ" تعلم على يد شيخ من أشهر شيوخ اللغة والأدب والشعر وهو: خلف الأحمر "ت 180 هـ" فما بلغ الثلاثين من عمره حتى امسك بناصية اللغة والأدب والفقه والحديث واحكام القرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وكان يقول لأصحابه: "ما ظنكم برجل لم يقل الشعر، حتى روى دواوين ستين امرأة منهن الخنساء وليلى الاخيلية" ثم سافر أبو نواس إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية وقارع الشعراء حتى بذهم وتفوق عليهم، واصبح المقدم عليهم، ثم اتصل بالخليفة العباسي السادس محمد الأمين وأصبحت له مكانة خاصة عنده، فأغدق عليه الهبات والعطايا بعد أن مدحه بغرر قصائده، مما افقده محبة عبدالله المأمون الخليفة السابع، لشدة ارتباطه ومحبته للأمين. لم يعمر أبو نواس طويلا، فقد توفي في الرابعة والخمسين من عمره سنة "199 هـ" ودفن في الجانب الغربي من بغداد، رآه احد اصحابه في منامه فسأله: ما فعل الله بك؟قال: غفر الله لي بأبيات قلتها في النرجس وهي:تأمل في نبات الأرض وانظرالى اثار ما صنع المليكعيون من لجين شاخصاتبأحداق من الذهب السبيكعلى كثب الزبرجد شاهداتبأن الله ليس له شريكذكر أحد اصحاب "أبي نواس" وهو محمد بن نافع، أنه هجره أواخر أيامه، فبلغه وفاة "أبو نواس" فاشتد حزنه وندم على أنه لم يتصالح معه، فبينما هو بين النائم واليقظان إذ هو يرى "أبا نواس" فقال له: أبا نواس!! فرد قائلا: لات حين كنية؟! "أي انتهت الكنية بعد وفاتي" فقال له: الحسن بن هاني؟ قال: نعم، قال ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي بأبيات قلتها في مرضي، وهي تحت وسادتي.يقول محمد بن نافع: فذهبت الى منزله وما أن رآني أهله حتى تذكروه وأجهشوا بالبكاء، لصحبتي له، فقلت لهم: ترك أخي الحسن شعراً قبل وفاته؟ قالوا: لا نعلم، الا انه دعا بدواة وقرطاس، وكتب شيئا،لا ندري ما هو!! فدخل محمد حجرته، فإذ بثيابه مكانها، فرفع وسادته فإذ برقعة مكتوب فيها:يارب ان عظمت ذنوبي كثرةفلقد علمت بأن عفوك أعظمإن كان لا يرجوك إلا محسنفبمن يلوذ ويستجير المجرمأدعوك رب كما أمرت تضرعافإذا رددت يدي فمن ذا يرحممالي إليك وسيلة إلا الرجاوجميل عفوك ثم إني مسلموما أجمل مناجاة "أبي نواس" لربه وتمجيده للواحد الأحد حيث يقول:إلهنا ما أعدلكمليك كل من ملكلبيك قد لبيت لكلبيك إن الحمد لكوالملك لا شريك لكما خاب عبد سألكأنت له حيث سلكلولاك يا ربي هلكلبيك إن الحمد لكوالملك لا شريك لككل نبي وملكوكل من أهل لكوكل عبد سألكسبح أو لبى فلكلبيك ان الحمد لكوالملك لا شريك لكوالليل لما أن حلكوالسابحات في الفلكعلى مجاري المنسلكلبيك إن الحمد لكوالملك لا شريك لكيا خاطئاً ما أغفلكاعمل وبادر أجلكواختم بخير عملكلبيك إن الحمد لكوالملك لا شريك لكجف القلم ونشفت المحبرة، في آمان اللهكاتب كويتي