وزير التجارة يعمل للكويت أم لتنفيع التجار؟

حسن علي كرم

في اوائل ستينات القرن الماضي، وبعد استحداث وزارة للتجارة، كانوا يعينون وزيرها برضى غرفة التجارة، وكان اول وزير تم تعيينه هو المرحوم خليفة الغنيم، حين يتم تعيين وزير من "بطن" الغرفة، فذلك يعني وجود الغرفة وعين الغرفة على الحكومة، وان لا شيء يتم تمريره الا بموافقة ورضى وقبول الغرفة الفخيمة، وبذلك كانت منذ تأسيسها بمثابة حكومة ظل، ورقيب على اعمال الحكومة.
انا هنا لا اريد ان اغوص في ما اذا كانت الحكومة على صواب او كانت الغرفة تنفذ سياسة الحكومة، او كانتا بمثابة شريكتين في مصلحة واحدة!
لا ريب ان الغرفة واعضاءها استفادوا، وهم مجموعة من كبار التجار تلك التوأمة بين الاثنين، فأعضاء ومؤسسو الغرفة او اقرباؤهم وزراء، او ذوو مناصب عالية في الدولة، لذلك فعندما نرى في السنوات الاخيرة حملات عدوانية شرسة على الغرفة فليس كله من فراغ، وانما هو المزاوجة غير الشرعية بين مؤسستي الغرفة والدولة.
لو لم تكن تتمتع الغرفة بنفوذ اقوى من الحكومة لما نال التجار شبراً واحداً من اراضي الدولة، واستغلالها كمقرات لشركاتهم، او مخازن او تأجيرها بالباطن، وتكوين ثروات هائلة.
هل تعلم ان بعض التجار والبنوك الذين منحتهم الحكومة اراض وقسائم لبناء مقراتهم عليها، بعد انتهاء المدة القانونية، رفضوا التنازل وتسليم العين لاملاك الدولة، وبقيت في حوزتهم كملاك شرعيين رغم انف الحكومة، فيما هي تنظر اليهم بعين مكسورة، "ويا عيني لا تزمع"(!!!)، ولسوف يبقى دور ونفوذ التجار اقوى من نفوذ الامة، كون هؤلاء الظل الخفي.
في الجلسة قبل الاخيرة دعا بعض نواب مجلس الامة الى الغاء التموين مقابل دفع قيمته "كاش" للمواطنين المستحقين، لكن وزير التجارة، حفظه الله، زمجر بشجاعة الشجعان قائلاً بما معناه لن نلغي البطاقة التموينية، وكأنه يقول: "اللي يهرب واللي يبوق واللي يبيع التموين، داخل او خارج، الكويت عليهم بالعافية، انتو شو خصكم، انتو تحصلون على تموينكم بالتمام والكمال وعليكم بالعافية، يا حاسدين الناس مالكم ومال الناس"؟
لكن الوزير، لم يحسب ان هناك ملايين من الدنانير التي تذهب مع الريح يلتقطها الحرامية والمهربين وذوو النفوس الفاسدة، وكلها من خزينة الدولة وقوت الامة!
كل الدول المجاورة تخصص بعض الاصناف الضرورية الى الفئات الفقيرة او المتعثرة، لكن بعدما اكتشفت تهريب تلك الاصناف التي تخصص للفئات الفقيرة الغت الحصص التموينية، معوضة عنها بالقيمة النقدية.
لبنان على سبيل المثال رغم ازمته الاقتصادية ورغم الضائقة المالية، ورغم ضنك المعيشة، لا سيما على الطبقات الفقيرة والمهمشة، الا ان الحكومة رأت الغاء التمويل وتعويضها بالبدل النقدي، والان العراق يجري بهذا المجرى.
هناك خطأ فظيع يرتكب تحت مسمى التموين، وهو منح الحصص التموينية الى كل المواطنين سواسية، الاغنياء قبل الفقراء، مع ان الاصل في المساعدة تنفيع الطبقات الفقيرة والاقل فقراً، احنا في الكويت ضايعين ما نفرق بين الغني الملياردير والفقير المدقع.
نعم باسمي وباسم جميع المواطنين من الطبقة محدودة الدخل نطالب بإلغاء التموين وتعويضه بالنقد، رز التمويل، حليب التموين، سكر التموين، عدس التموين، تباع عيني عينك في دول مجاورة ودول بعيدة، بل بام عيني رأيت علب حليب التموين ذات العلامة المميزة (الابراج) تباع على "بسطة" في دولة اسيوية.
نحن لسنا بخلاء ولا نتعالى على فقراء العالم، لكن التموين في ظل الفوضى وغياب الرقابة، فالغاؤه هو القرار الحكيم، كون وزير التجارة يخشى تضرر التجار، ولذلك يرفض الغاء التموين، فهذا شأنه، لكن لا ينبغي ان تسايره الحكومة، لا سيما في قرار ملتبس!

صحافي كويتي

[email protected]