الأحد 22 سبتمبر 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
وقفة قضائية
play icon
كل الآراء

وقفة قضائية

Time
الاثنين 02 أكتوبر 2023
View
132
د.كاظم بوعباس

هذه المقالة من باب النصح، والإرشاد، والتذكير، مصداقاً لقوله تعالى: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، وليست في وارد الاساءة، أو الطعن بأحد.
فقد تسرَّب في وسائل التواصل مقطع يشير الى صدور حكم ادانة على مستشار من الجنسية المصرية، يعمل في المكتب الفني بالمحكمة الدستورية الكويتية.
وقد ادانته محكمة الجنايات في جمهورية مصر العربية عن تهم تتعلق بحيازته لبعض الآثار، والقطع الذهبية، بالحبس خمس سنوات.
طوال مدة التقاضي والاجراءات كان مقبوضا عليه في دولته وبعيدا عن عمله في الكويت، وكان من المفترض قانوناً انه بمجرد اتهام الموظف العام جنائيا، ان يتم وقفه عن العمل الى حين انتهاء التحقيقات، حتى لو تمت في الخارج.
وهو ما ينص عليه قانون الخدمة المدنية، وقانون الاجراءات الجزائية، واذا كان ذلك كذلك يسري على الموظف العام، فمن باب اولى يسري على القضاة، وهم واجهة الدولة في ارساء العدل واحقاق الحق، اذ يجب الا يدنس ثوب القضاء، ويبقى شفافاً لا تشوبه شبهة مهما صغرت!
وينبغي على القيمين على مرفق القضاء والعدالة اخذ ذلك في الاعتبار من استمرارية صلة قاضي بالقضاء، رغم انه في دائرة الاتهام او الشبهات!
ومن المعلوم، اذا كان المتهم العادي يجرم باليقين، ويفسر الشك لمصلحته، فإن القاضي يؤاخذ بمجرد الشبهة والظن، فالقاضي يؤدي رسالة يحاسب عليها يوم الحساب، فما البال، وقد الصقت به تهمة جناية، وتمت ادانته عليها بالحبس لخمس سنوات؟
من المؤسف، كما انتشر في وسائل التواصل، ولم يتم نفيُهُ ان الجهة المختصة لم توقف راتبه، والاولى قانوناً ان يوقف راتبه بحسبان أن الاجر مقابل العمل، لا ان يستمر صرف راتبه لسنتين، رغم علم السلطة المختصة ظاهراً بانقطاعه عن العمل لديها، دون عذر مقبول قانوناً، فهذا تبديد للمال العام، دون وجه حق!
لا ريب أن المحكمة الدستورية هي اعلى قمة الهرم القضائي في دول العالم، وعلى رأس السلطة القضائية، وبالتالي يجب ان تكون منزهة عما يشين العاملين فيها، وان كانوا لا يجلسون على منصة الحكم، ولعل هذا الحدث جرس تنبيه لمرفق القضاء وغيره من مرافق قانونية، ان نحسن الاختيار، ومن ابناء الوطن، وتستعين بالخبرات القانونية في فقه القانون الدستوري، وهذا ليس تحيزاً، انما هو الامر الطبيعي والمنطقي في دول العالم، فالقاصر حين يبلغ سن الرشد تسلم إليه أمواله، ولا ريب أن ابناء الوطن قد بلغوا سن الرشد، والفهم والاستنباط.
وأظنُّ، اذا حسنت النوايا، وبعد هذه السنوات، ان تستقل السلطة القضائية بمكوناتها عن الاستعانة بغير أبناء وطنها، ولا سيما أن الدعوات لاستقلال القضاء، ومنذ زمن هي الغاية.
ومن المؤسف ان يتجاوز بعض المسؤولين سن التقاعد والاحالة للمعاش، وهو 70 عاما للكويتيين وغيرهم في الجهات القضائية، لكنهم في التطبيق دأبوا على الاستعانة بغير المواطنين، من دون سند أو أساس من القانون، وهو ما حصل مع المستشار المحكوم عليه.
فمجلس الوزراء الموقر أصدر قراراً اجاز فيه الاستعانة بالكويتيين فقط لغاية سن 75 عاما في جميع الجهات الحكومية، وبراتب لا يتجاوز ألفي دينار، بالاضافة الى معاشهم التقاعدي، للاستفادة من خبرتهم، وتجربتهم في مؤسسات الدولة، لكن المؤسف انه لم يُلتفت الى هذا القرار في التطبيق، سوى للوافدين، ومن دون أساس من القانون كما أسلفت!
وها هو السيد رئيس مجلس الامة يتقدم باقتراح بتكويت الوظائف في كل قطاعات الدولة، وباقتراح آخر بزيادة رواتب الموظف العام، بحيث لا يكون اخلال بين ما يتقاضاه اصحاب الكوادر الخاصة عن نظرائهم من التخصص ذاته في الجهات الحكومية، وهو اقتراح يصب في مصلحة المواطن.
ومن المفيد القول: إن شراح الفقه القانوني، وكتبهم ورسائلهم العلمية، والسوابق، والاحكام القضائية اصبحت في متناول اليد، ومن السهولة بمكان الرجوع اليها في كتابة الاحكام، والفتاوى، والصياغة والمراجعة.
وما جعل هذا الموضوع على ألسنة الناس ما انتهى اليه مصير هذا المستشار، الذي ندعو الله ان يخفف عنه، ويلطف به، وهو يتحصل على راتبه رغم انقطاعه عن العمل!
من نافلة القول: إن الدستور خص السلطة القضائية باستقلال كامل وافردها عن سواها، بميزات تتناسب مع الرسالة التي تؤديها للمجتمع.
وبالبناء على ذلك لا بد، وان يعُاد التفكير جديا بتوسيع روافد القضاء بالشباب الواعد من المؤهلين، وان نمنحهم الثقة، وحسن الظن، وان نُحسن الاختيار بحسبان، ان ذلك سوف يحقق عدل الله على الارض، ونأتي الله بقلب سليم.
ولنا امل كبير في الاخ المستشار الدكتور عادل بورسلي، الذي اسند اليه منصب رئاسة مجلس القضاء، ان يولي هذا الموضوع حظا من اهتمامه هو وزملاءه من رجال القضاء، والله ولي التوفيق!
مستشار قانوني

د. كاظم بوعباس

آخر الأخبار