الاثنين 30 سبتمبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى

يا حكام... اقرأوا رسالة هارون الرشيد إلى نقفور

Time
السبت 10 يونيو 2023
View
12
السياسة
كتب ـ أحمد الجارالله:
حين تكونُ هناك عزيمةٌ على القرار تهون كلُّ المصاعب إذا كان القائدُ على دراية بإمكانات دولته، وشعبه، وقدرته على تطويع المخاطر، داخلية كانت أم خارجية، وجعلها فرصة لفرض هيبة الدولة.
ومن الأمثلة على هذا ما كان عليه الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي واجه أعتى القوى الدولية في القرن التاسع الميلادي، وهي الدولة الرومانية، في ذلك الوقت، فقد حوَّل تهديداتها للدولة الإسلامية فرصة لدحرها، ومنع الهجمات والاحتلالات المُتكررة لبعض المناطق المحاذية للحدود، وتمددها حتى شواطئ البحر المتوسط، يوم ذاك.
ففي العام 782، عُقدت هدنة مع الملكة الرومانية إيرين قضت بموجبها دفع جزية سنوية للعباسيين، وظلت تدفع الجزية إلى أن ماتت.
حين خلفها نقفور في عام 802، أرسل رسالةً إلى هارون الرشيد يطالبه برد الجزية التي دفعتها الملكة السابقة، وكتب له: "من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّ الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرُّخِّ، وأقامت نفسها مكان البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنتَ حقيقاً بحمل أضعافها إليها، لكنَّ ذلك ضعفُ النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، وَافْتَدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك".
عندما قرأ هارون الكتاب استشاط غضباً، فأرسل رسالته الشهيرة التي خلدها التاريخ، إذ كتب على ظهر رسالة نقفور "بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام".
وفي العام 803 خرج هارون على رأس جيشه حتى وصل إلى هرقلة، وهناك دارت معركة نيكوبلوس، التي انهزم فيها نقفور، واضطر لدفع الجزية تماماً مثلما كانت تفعل سابقته.
بعدها بعام، فكر الإمبراطور البيزنطي مرة أخرى في الامتناع عن دفع الجزية للخليفة العباسي، فعاد الرشيد وخاض حرباً جديدة مع البيزنطيين قتل فيها 40 ألفاً من جيشهم، وأجبرهم على دفع 30.000 عملة نقدية من الذهب سنوياً، وحرر فيها كل الأسرى المسلمين، الذين وقعوا تحت قبضة البيزنطيين.
لم تكن هذه لتحدث لو أن الرشيد أخذ بما يقوله مستشارو الدولة، خصوصاً أن الوضع الداخلي للخلافة لم يكن، في تصوُّرهم، يُساعد على المواجهة تلك، لكن إيمان القائد بشعبه وقدرة جيشه دفعته إلى اتخاذ هذا القرار.
في هذا لم تكن رسالة الرشيد موجهة فقط إلى الروم، بل هي بطريقة غير مباشرة كانت موجهة أيضاً إلى الداخل الإسلامي، وأن الحزم في مواجهة الأعداء يتطلب جهداً موحداً، خصوصاً أن القلاقل، الأمنية والسياسية في الدولة، والأحداث التي شهدتها الخلافة، آنذاك، لم يكن الخروج منها إلا بفرض هيبة الدولة، من دون إثارة الفتن فيها.
اليوم، ومع تغيُّر المشهد السياسي في مجموعة من دول الإقليم والعالم العربي، وثورة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وضعف مواجهة الحكومات، والمس برموز وقادة الدول، تشابكت الظروف المحلية والخارجية وأصبحت الدول تواجه المخاطر على خطين شرسين، الأول الخارجية، والثاني الداخلية، وذلك نتيجة الاعتماد على المستشارين، أولاً، والنوازع الشخصية للمسؤولين الذين يُرعبهم الخوف من فقدان مصالحهم، فيعمدون إلى آراء لا تتناسب مع مصلحة الدولة.
في المئة سنة المُنصرمة، استطاع قادة بعض الدول في الإقليم العمل على تحصينها، رغم الكثير من التهديدات الداخلية والخارجية؛ لأن الحمية الوطنية كانت حينذاك مُستعرة، وفي ظل الصراع بين القوى العظمى حتم عليهم مواجهة المخاطر، بالحنكة، والحزم والمواجهة، ولهذا استطاع هؤلاء بناء دول، بعضها اليوم أصبحت قوة كبيرة، اقتصادياً، وسياسياً، وإنمائياً، ومنها الممكلة العربية السعودية.
في المقابل ما رسَّخه بعض القادة من أركان دولة قوية في ذاك الوقت أهدره الركون إلى المستشارين و"بربساتهم" وعدم التصدي للصراعات المحلية والتكتلات الطائفية والقبلية، حتى كادت تضيع خلال الضعف على مواجهة قلاقل عابرة، وعدم الاستفادة من العبر، وهناك أمثلة كثيرة في هذا الشأن.
لا شكَّ أنَّ هيبة الدولة لا تكون إلا بفرض القرار من رجل قرار؛ لأنها من دون ذلك تشرع أبوابها على المخاطر، داخلياً وخارجياً، كما هي الحال في لبنان والعراق واليمن وليبيا، وغيرها من الدول، التي فقدت قيادتُها بوصلة الاتجاه الصحيح.
آخر الأخبار