الأربعاء 25 سبتمبر 2024
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

يا قضاة العالم العربي... اقرأوا هذه القصة واعتبروا

Time
الأحد 21 مايو 2023
View
10
السياسة
حين يحكمُ القاضي بروح القانون، وليس فقط بالنَّصِّ الجاف، عندها يُصبح قيمة مُضافة، وميزة لبقية القضاة، ويؤسس للعدل الإنساني، وعندما يكون الحاكم على بيِّنة من ظروف الناس، يعمل وفق ما يتطلبه الواقع، وليس وشوشات بعض المُستشارين.
مناسبة هذه المُقدمة قصة حدثت قبل سنوات في إحدى المُقاطعات الأميركية إذ جُلب رجلٌ عجوزٌ أمام أحد القضاة بتهمة سرقة رغيف خبز، واعترف في المحكمة بفعلته، لكنه برَّر ذلك بقوله: "كنتُ أتضوَّرُ جوعاً، كدتُ أن أموت".
القاضي قال له: "أنت تعرف أنك سارق، وسوف أحكم عليك بغرامة عشرة دولارات، وأعرف أنك لا تملكها؛ لأنك سرقت رغيف خبز، لذلك سأدفعها عنك".
صمت جَمْعُ الحاضرين في القاعة، وأخرج القاضي عشرة دولارات من جيبه، وطلب أن تودع في الخزينة كبدل غرامة على هذا العجوز، ثم وقف ونظر إلى الحاضرين وقال: "محكوم عليكم جميعاً بدفع 10 دولارات؛ لأنكم تعيشون في بلدة يضطر فيها الفقير إلى سرقة رغيف خبز"، وفي تلك الجلسة تم جمع 480 دولاراً ومنحها القاضي للرجل العجوز.
ليس هذا القاضي الوحيد الذي اشتهرت قصتُهُ مع التعامل بهذه الطريقة، فقد عرف عن القاضي الأميركي فرانك كابريو أنه يسعى إلى تطبيق القانون بروح إنسانية، ويبتعد قدر الإمكان عن الغرامات والأحكام التي تتسبَّبُ بمُعاناة للمحكوم عليهم، وقال ذات مرة إنه إذا شكَّ في وجود ظروف قاهرة لدى المُتهم، أو أنَّ حياته مُهددة، فإنه يقبل صحة تفسيره؛ لأنه لا يُمكن أن يُمثل سيادة القانون ويحكم على شخص بما لا يستحق.
قبل تنظيم القضاء في أيام هارون الرشيد، كان شيخ القبيلة يتولّى القضاء عند العرب، مُعتمداً على العُرف والتقاليد السَّائدة بين القبائل التي لم تعرف سلطة تشريعيَّة، وباجتماع القبائل العربيَّة تحت راية الإسلام، كان القرآن الأساس الذي جعل من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أوَّل من قضى في الإسلام، ثم أذن لبعض الصحابة بالقضاء، وأناب بعضهم في البلاد، لكن دون أن يُسمّي هؤلاء قضاة.
في ذلك الوقت كانت تراعى ظروف الناس والبلاد، ومع الدولة الحديثة وسنِّ التشريعات، أصبح النصُّ هو الحاكم سلوك القضاء، ولأنَّ القاضي يحكم وفق القانون الذي أمامه، وُجد بعض الغُبن في الأحكام في مختلف الدول العربية؛ لأنَّ القاضي مُقيَّدٌ بالنَّص.
هناك الكثيرُ من القضايا المدنيَّة المُتعلِّقة بالغارمين، الَّذين ما لجأوا إلى الاستدانة إلا لأنهم وقعوا في براثن الحاجة، إما لعلاج ابن أو زوجة، وإما لإكمال الأبناء تعليمهم، وإما لبناء منزل، ولأنَّ القانون جامدٌ ولا يُفكر بروح الإنسانية، لهذا وجد القضاء من خلال الممارسة بعض الحلول الأخرى، ومنها الامتناع عن النطق بالعقوبة، مُستخدماً القاضي روح القانون، لكن في غالبية الحالات يكون محكوماً بالنص.
لذلك وجدت الأسباب التخفيفية، لكنها ليست كافية؛ لأنها تؤدي إلى زيادة مُعاناة الغارمين والغارمات؛ لأنَّ الإكراه البدنيَّ، كـ"الضبط والإحضار"، و"منع السفر"، والإحالة إلى السجن، تدفع المحكوم إلى مخالفة القانون، وبالتالي زيادة مُعاناته في البحث عن عمل من أجل سداد ما عليه، والاستمرار في العيش.
في هذا الأمر يُصبح من واجب الحاكم، بوصفه القيِّم على المجتمع ويرعى شؤون الدولة، ويسهر على تنفيذ القوانين من خلال من يُعينهم لأداء هذا الواجب، أن يعمل على حض المُشرِّعين لتطوير القوانين بما يتوافق مع الظروف المعيشية في البلاد، ففي أحيان كثيرة يجد القاضي نفسه أمام مُعضلة هي نص القانون والحالة الإنسانية التي ينظر فيها.
منذُ سنوات، مثلاً، كان الإكراهُ البدنيُّ ضد الغارمين مناسبة لاستفادة البعض منها، من خلال تنفيذ "الضبط والإحضار" على الغارم في نهاية الأسبوع والعرض على المحكمة في أول يوم دوام، وكان القاضي يجد صعوبة في التوفيق بين الحالة الإنسانية والقانون، فيلجأ إلى الاستنسابية، لكن حين يكون القانون واضحاً، كما هو معمولٌ به في مختلف دول العالم بأنَّ القضايا المدنيَّة ليست مُقيدة لحرية الشخص عندها يستطيع الجميع الإيفاء بما عليهم من خلال الاجتهاد والعمل.
من هنا تبدأ مهمة الحاكم في فرض إرادته على الجميع، خصوصاً من يهمهم الأمر في سنِّ تشريعياتٍ تقوم على أساس إنساني، كما حدث في قصة القاضي وسارق رغيف الخبز الأميركي.

أحمد الجارالله
آخر الأخبار