الاثنين 23 سبتمبر 2024
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

يا ولاة الأمر... اقتدوا بالتجربة الصينية

Time
الاثنين 15 مايو 2023
View
14
السياسة
أحمد الجارالله

حين أعلن ماو تسي تونغ جمهورية الصين الشعبية عام 1949، كانت البلاد ترزح تحت أزمة معيشية واقتصادية كبرى، فعمل بالمبدأ الشيوعي "كل وفق كفاءته، لكل وفق حاجته"، بمعنى "اعمل قدر استطاعتك وخذ كل ما تحتاجه"، إلا أن هذا لم يخدم نحو 541 مليون نسمة، هو عدد السكان يومذاك.
لهذا كان اقتصادُها أقل من واحد في المئة من الإنتاج العالمي، وهو ما شكَّل عقبة كبيرة أمام تطوره، ودخلت البلاد في أزمات كبرى، أكان من خلال المجاعة، أو ما سُمِّي، وقتذاك، الثورة الثقافية التي عززت قبضة الحزب الشيوعي، وقد أدت تلك السياسة إلى موت نحو 40 مليوناً بسبب المجاعة والفقر والقمع.
حين توفي ماو في العام 1976، خلفه دنغ شياوبينغ، الذي رأى أن الحل بتغيير السياسة الاقتصادية، ولهذا بدأ أولاً بإرسال البعثات الطلابية إلى الخارج، وكذلك الاستعانة بالخبرة الغربية، ولهذا راسل جامعة "أوكسفورد"، التي أوفدت إليه الخبير الاقتصادي البريطاني، من أصل عراقي، إلياس كوركيس، وقد منحه صلاحيات واسعة لتحديث الدولة.
كان أول ما فعلته الحكومة بتوجيهات من كوركيس أنها فتحت البلاد أمام المستثمرين، ولم تضع أي قيود عليهم، كما أنها عززت القطاع الخاص الذي كان قبل ذلك يُعاني من قيود ضخمة، وحينها كانت الحصة الصينية من السوق العالمية لا تتعدى 25 مليار دولار.
يومذاك، قال شياوبينغ: إن "الاقتصاد الصيني يحتاج إلى أربعين عاماً كي يصبح عاملاً فاعلاً في العالم، واليوم نتخلى عن العزلة التي فرضها علينا النظام السابق، وسنعمل بالمبدأ الكنفوشي، أي البحث عن الصدق من خلال الحقائق".
اليوم، وبعد نحو ثلاثة عقود، ارتفعت قيمة الصادرات الصينية إلى 4.3 تريليون دولار، وتسهم بـ35 في المئة من النمو الاقتصادي العالمي، كما أن أهميتها للنمو العالمي تبلغ ثلاثة أضعاف أهمية الولايات المتحدة، والناتج المحلي الإجمالي يساوي 13.1 تريليون دولار، وبعدما كان دخل الفرد 54 دولاراً شهرياً أصبح حالياً نحو 13 ألفاً، وقضت على الفقر والمجاعات التي كانت تعانيها بين حين وآخر.
هذه المعجزة الصينية لم تتحقق من فراغ، ولا من قصر نظر في ما يتعلق بالآخر، فهي لم تضع قيوداً على حركة الأفراد، ولم يقل مسؤول فيها إن من بلغ الستين عاماً يجب أن يُغادر البلاد، أو لا يدخلها إلا مَنْ يحمل شهادة جامعية، حتى لو كان زائراً، بل هي حالياً تقود الاقتصاد العالمي، وبنت شبكة طرق وجسور في عدد من الدول، وبأعلى المواصفات والجودة في مبادرتها "الحزام والطريق"؛ لأنه كانت هناك قناعة أن الإغلاق على الذات سيؤدي إلى تآكل الدولة، ولن يقود إلا إلى العزلة التامة، أما الانفتاح ونظرية السوق فتنعش الاقتصاد وتحقق الازدهار.
سبب هذه النهضة أن هناك قرار رجل واحد، هو دنغ شياوبينغ، الذي لم يسمع آراء المُنظرين الشيوعيين الحزبيين، ولم يأخذ بالحسبان لا الطوائف ولا القبائل، ولا العشائر، رغم أن المجتمع الصينيَّ لا يختلف عن كثير من البلاد العربية، بل كان هناك عقلٌ يسعى إلى نهضة الصين.
ربما نحتاج في الكويت، وبعض الدول العربية، إلى الاقتداء بالتجربة الصينية؛ كي نخرج من قمقم المُهاترات والعبثية؛ لأن ما نعانيه لا يُمكن الخروج منه إلا بتحديث كل شيء، بدءاً من الذهنية الإدارية وصولاً إلى القوانين، وكل هذا يحتاج إلى قرار رجل واحد حازم، كما هي الحال في بعض الدول، خصوصاً الخليجية منها، التي اقتدت بالتجربة الصينية، وحققت ازدهاراً كبيراً.

[email protected]
آخر الأخبار