الجمعة 20 سبتمبر 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
يا ولاة الأمر… بحاجة إلى ديوان مظالم وبسرعة
play icon
الأولى   /   الافتتاحية

يا ولاة الأمر… بحاجة إلى ديوان مظالم وبسرعة

Time
السبت 14 أكتوبر 2023
View
439
السياسة

كتب ـ أحمد الجارالله:

لا ينفع البكاءُ على اللبن المسكوب، بل من الواجب الحذر والعمل على منع الأزمة من خلال رؤية تقوم على مبدأ واحد، وهو العدل.
لهذا من قرأ قصة "الألم" للكاتب الروسي أنطوان تشيخوف، يُدرك أنَّ الفرصة الضائعة ربما تكون هي النهاية، ففيها كان الكاتب يتحدث عن أحوال الامبراطورية الروسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من خلال حكاية فلاح عجوز وزوجته المريضة.
فيها كتب أنَّ "فلاحاً عجوزاً حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من عربته القديمة التي يجرها حصان هزيل، وكان يقصد المدينة البعيدة لعلاجها".
في الطريق الطويل، بدأ الرجل يتحدث، كأنه يُفضفض عمّا يُعانيه، أو يُناجي نفسه، لكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته التي عاشت معه طوال أربعين عاماً في شقاء وبؤس ومعاناة، تكدُّ وتكدح، وتساعده في الحقل، وتتحمل وحدها أعباء البيت.
شعر أنه كان قاسياً معها طوال تلك السنوات، وأن عليه، الآن، أن يُعاملها بلطف ولين، ويُسمعها الكلمات الطيبة، وقال لها إنه ظلمها، وإن الحياة أيضاً ظلمتها؛ لأنه لم يجد الوقت في حياته ليقول لها كلمة طيبة وعذبة، أو يهديها ابتسامة صافية رقيقة، أو يُعطيها لحظة حنان!
ظلَّ الرجلُ يتحدث بحزن وأسى، طوال الطريق، والكلمات تحفر لها في النفس البشرية مجرى كما يحفر الماء المتساقط على الصخر، خطوطاً غائرة، ليعوضها بالكلمات عما فقدته خلال الأربعين عاماً الماضية من الحب والحنان ودفء الحياة الزوجية، وأخذ يقدم لها الوعود، أنه سوف يُحقق لها كلَّ ما تريده، وتتمناه في بقية عمرها.
عندما وصل إلى المدينة، وترجل من مقعده ليحملها من المقعد الخلفي بين ذراعيه، وللمرة الأولى، في حياته إلى الطبيب، وجدها جثة باردة، إذ ماتت بالطريق، فارقت الحياة قبل أن تسمع حديثه العذب الشجيَّ، وبذلك فإن المواساة لم تعد مُجدية الآن؛ "فهي فقدت مغزاها!".
حال الامبراطورية الروسية في تلك الفترة لا تختلف عن بعض الدول العربية، بل ربما تتطابق في بعض التفاصيل، ففي موسكو، آنذاك، كان الكرملين، ذو الأسوار العالية، يحجب الرؤية عن الشعب، ومعاناته، ولا يُسمع الامبراطور أنينه، فيما الحاشية، البطانة، منشغلة باللهو، والاستحواذ على أكبر قدر من الثروة، والنهب.
لهذا ما كان الامبراطور، الذي هو في القصة الفلاح، يسمع وجع الشعب، الذي اختار الكاتب تشيخوف أن يكون في القصة الزوجة، إذ لا دولة بلا شعب، فهو زواج أبدي بين الحاكم والناس، وبالتالي إذا لم يسمع أنينها فهو منفصل عن الواقع، وسرعان ما يدب الخراب في الدولة، ويتهم الحكام بالفساد.
في كثير من دول العالم هناك ما يُسمى "ديوان المظالم"، وهذا كان معمولاً به في الدول الإسلامية قديماً، حين كان الحاكم هو القاضي، أو بالأحرى رئيس القضاء، بل إلى اليوم هناك دول تعمل بذلك النظام، وتختار لهذا الديوان الخبراء الذين لا يراعون حتى مصلحة أولادهم.
في تلك الدول هناك دوائر، أيضاً، تعمل جدياً على مكافحة الفساد، ليس بالشعارات، وببرلمانات لا يكون فيها ابتزاز سياسي، بل شرفاء يقدمون مصالح الدولة على كل شيء، وصحافة حرة تتمتع بأرقى معايير حرية الرأي، وليس فيها أربعة قوانين، وضعت فيها المثالب والثغر، كي يُعاقب من خلالها الصحافي والصحيفة إذا غضب عليه بعض الكبار والمتنفذين، فيُساق إلى الحبس كأنه مجرم مخدرات، وتغلق الصحف.
في بعض الدول هناك من يعيش مظلمة مزمنة، ولا أحد يسمع أنينه، بل عليه كتم آهات وجعه؛ لأنَّ الحاكم انزوى خلف أسوار قصره، بينما في أخرى هناك حكام ميدانيون لا يتركون شاردة ولا واردة إلا ويتابعونها، لهذا لا يشتكي مواطن؛ لأن المجالس المفتوحة لها، من الحاكم إلى أصغر مسؤول، وفي "ديوان المظالم" لا أحد يُمكنه تلفيق أي شكوى، فنهاك من يتابع، ويتقصى، ويعاقب من يكذب.
رائعة أنطوان تشيخوف تتحدث عن الوجع والظلم المهمل اليوم الذي تعيشه بعض الدول، حكامها لا يسمعون غير الإطراء المزيف القائم على مصالح البطانة الفاسدة التي تنهب خيرات الدولة، وتعيش خارج الحدود.

آخر الأخبار