الأحد 22 سبتمبر 2024
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

يا ولاة الأمر... صدقت العجوز وكذب الفقيه

Time
الأربعاء 10 مايو 2023
View
9
السياسة
منذ قرونٍ استغلتْ جماعاتٌ وأفرادٌ الدِّين للاستثمار فيه من أجل تحقيق المغانم، سياسية كانت أو مالية؛ للسيطرة على الأمم والشعوب، وقد استطاع بعضُها تحقيق مآربه، أو من خلال الإمساك بقيادتها عبر الإيحاء أنه قادر على تحقيق الرخاء للمجتمع، أو في قمع الآخر المُختلف عنه لتأكيد قوته، وهذا ساعد على انتشار المظاهر الكاذبة الموحية بتديُّن صاحبها، فيما هو غير ذلك على الإطلاق.
من النماذج في هذا الشأن ما يُروى عن امرأة مرَّت على مجلس فسألت: "من الفقيه فيكم؟".
فأشاروا إلى أحدهم، فسألته: "كيف تأكل؟".
أجاب: "أسمي باسم الله، وآكل بيميني، وآكل مما يليني، وأصغر اللقمة، وأجيد المضغة".
أردفت: "وكيف تنام؟".
فقال: "أتوضأ وأنام على جنبي الأيمن وأقرأ وردي من الأذكار".
فقالت : "أنت ﻻ تعرف أن تأكل وﻻ تعرف أن تنام!".
فنظر إليها مستغرباً، وقال: "إذًا كيف الأكل والنوم؟!".
أجابت: "ﻻ يدخل بطنك حرامًا وكل كيف شئت، وﻻ يكون في قلبك غلٌّ على أحد ونم كيف شئت".
وأضافت: "ما أخبرتني به هو أدب الشيء، وما أخبرتك به هو جوهر الشيء".
كثير ممن يتاجرون في الدين يأخذون المظاهر ولا يعملون بالدعوة إلى الابتعاد عن الكذب والرياء والتدليس، بل يشيعون شعاراتهم بين الغوغاء لتوجيه المُجتمعات وفق هواهم، فبعضهم يجعل من الطائفية منهجاً له، ويشد عصب الناس إليها، ويسعى إلى تأسيس ميليشيات دفاعاً عن الطائفة والمذهب، ولقد رأينا في العقود الماضية الكثير من هذه الجماعات الإرهابية، من كلِّ الطوائف والمذاهب والأديان، التي دلست على الشعوب، وكيف تسببت بالمجازر وإفشال الدول من أجل تسويق برنامجها القائم على إيهام حتى القادة بأن العمل وفق استشارة هؤلاء يؤدي إلى الجنة، ولهذا حكموا بعض الدول، بل جعلوها مزارع خاصة لهم، وهو ما أضر بالعلاقات الاجتماعية، بل علاقات الدول مع بعضها بعضاً.
لقد استباحت هذه الجماعات كلَّ المُنكرات في عملها الإرهابي، سواء كان من تصنيع مخدرات وترويجها وتصديرها، أو فرض الإتاوات على الناس عبر شعار التبرع للأعمال الخيرية، وكل ذلك في سبيل سيطرتها، ولنا في بعض الدول العربية عبرةٌ بما آلت إليه من فشل، حين انصاعت إلى إمرة أولئك المُجرمين المُتخفين في عباءة التدين المُروِّجين للشعارات الخادعة.
هؤلاء كانوا يُدلسون بأن أي انفتاح على الآخر يعني الكفر البواح، ولقد استطاعوا عبر ذلك إقفال دول عدة، بل تحريم حتى وسائل الإعلام التي تفضحهم، وكل هذا ليس من الدين في شيء، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
بعض الدول استطاعت التخلص من هذه الآفات حين عملت بصحيح الدين السمح الوسطي، وبدأت في تنقية مجتعماتها منها؛ لأن الأصل في توجيه الأمة، أي أمة، هي القيادة التي تعمل على حماية دولتها، وجعلها مُحصَّنة من تلك العصابات التي أفسدت في الأرض طوال العقود الماضية.
اليوم ثمة صحوة في مجتمعات عربية عدة لمحاربة الإرهاب الفكري، وكشف تدليس هؤلاء الذين قال الله عنهم: "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا..."، وهنا نسأل: متى تتحرر بعض المجتمعات من سيطرة هؤلاء الذين لا يزالون يقودونها نحو الهاوية؟

أحمد الجارالله
آخر الأخبار