الأحد 29 سبتمبر 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى

يا ولاة الأمر... عندما تُسيطر الثعالب على عصب الدولة يؤكل الدجاج

Time
الاثنين 05 يونيو 2023
View
9
السياسة
كتب ـ أحمد الجارالله:

لم يكن ضعفُ هيبة أي دولة دائماً من الخارج، فالأسبابُ الداخليّة لها دورٌ كبيرٌ في ذلك، وهي تدفع الآخرين إلى التآمر عليها، خصوصاً حين يجد أولئك من يُساندهم؛ لأنَّ أساس العلة بالخيارات الخاطئة، وعدم الاتفاق على رأي واحد.
مثال على ذلك قصة قديمة تُروى عمّا تؤول إليه الأمور حين يتصارع من بيدهم الأمر على القرار، وهي من العبر التي لا بد أن يتفكر فيها كلُّ أولياء الأمر في دولة ما.
يُحكى أنَّ ثعلباً أوغل في الدجاج ذبحاً وقتلاً وأكلاً، ولم تعد تحتمل تعدياته، فاجتمعت الديوك الأحمر والأسود والأبيض لتضع حداً لتلك المجارز، واختلفت بين أحمر يدعو إلى مباغتة الثعلب في وكره، وأسود ينصح أن يكمن له حين يخرج للإغارة وينقضوا عليه ويقتلوه، وأبيض ينصح بالتصالح معه.
علم الثعلب بذلك الخلاف، فأرسل الغراب كي يجتمع بالديكة فُرادى، ويقول للأحمر: "ما أنت إلا أشرفهم وأشجعهم، فالهجوم رأس الدفاع، وصديقاك خائنان، ولذا الحل يبدأ بقتلهما".
ثم اجتمع بالديك الأسود، وقال له: "عين القول قولك، فالدفاع كما الهجوم، فلا تلام عليه، أما المصالحة ففكرة خرقاء، ومن يطرح مثلها لا يستحق الحياة".
وحين اجتمع مع الأحمر قال له: "إن الثعلب يهديك سلامه، وسيتعاون معك لتوطيد السلام بين الثعالب والدجاج، لكن علينا أولاً أن نتعاون معاً للتخلص من الديكين التخريبيين، الأبيض والأسود"، وهكذا استطاع الثعلب عبر الغراب إثارة الفتنة بين قوم الدجاج، ومضت أيام عدة نشبت فيها المعارك بين الديكة الثلاثة، وتفرق الجمع، فاستتب الأمر للثعلب، وعاش فترة على أكل الدجاج.
الدول لا تختلف عن الغابة، فالجميع يسعى إلى السيطرة، ولكل أساليبه، لكن أكثرهم عرضة للانهيار، من يعمل على العكس مما هو معهود في الإدارة التنفيذية لأي دولة، وفي هذا الشأن سئل علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-: ما يفسد أمر قوم يا أمير المؤمنين؟
قال: "ثلاث وثلاثة، وضع الصغير مكان الكبير، ووضع الجاهل مكان العالم، ووضع التابع في القيادة".
وأضاف: "فويل لأمة؛ مالها عند بخلائها، وسيوفها بيد جبنائها، وصغارها ولاتها".
حين يُصبح ما قاله عليٌّ -رضي الله عنه- تكثر المفاسد في الدولة؛ لأنَّ البخل سبب كلِّ العلل، فيُصبح النَّهب عادة، أما الرشى فهي تعظم الفاسد في سلطته وعين العامة، وإيذاء الناس يكون من المُسلَّمات، فتزدحم أقبية أجهزة الأمن بالمظلومين الأبرياء المتهمين زوراً، خصوصاً أولئك الذين يتحدثون عن مفاسد، أو يعملون على كشفها علناً، وحتى من ينصحون في السر، فكل هؤلاء تلفق لهم التهم؛ لأنَّ الثعالب تسعى إلى أكل دجاج مال عام الدولة والهيمنة على قرارها، وحين يتسيد الفساد المجتمع، تصبح المعالجات غريبة، حتى لو كانت بعمليات جراحية مؤلمة.
لقد رأينا في الأيام الأخيرة الكثير عن عالم السجن المركزي، الذي مهما حاولت يد الإصلاح الضرب بحديد، فإن هناك من يتآمر مع الديك الأبيض كي يتصالح مع ثعالب المخدرات، وكيف تهرب الهواتف النقالة إلى السجن، وكذلك المخدرات، وكيف تدخل الأسلحة البيضاء إلى الزنازين، علماً أن المجرم يستخدمها ضد المساجين الآخرين، وكذلك حراس السجن؛ لأن صاحب الحكم الثقيل لا تفرق معه سنة أو سنتان أكثر في السجن.
وكذلك رأينا من يكشف عن ذلك، أو يصورها ويساق إلى المحاسبة، بينما في الدول الأخرى، فإن هؤلاء تقدم لهم المكافأة، ففي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وحتى بعض الدول العربية، هناك ما يعرف بـ"الشاهد المالك"، الذي تخفف عنه الأحكام، بل إذا كان حسن السلوك، يُطلق سراحه.
ثمَّة الكثير من الدول ضاعت؛ لأنها لم تعمل بتلك المبادئ، فالدولة الأموية انهارت حين وُضع الصغير مكان الكبير، وتقريب العدو لكسبه، وإبعاد الموالي لأنه مضمون.
وفي الدول الحديثة، حين تسيَّدت ثعالب الأحزاب والزعامة اللبنانيين، نهبت الدولة وجاع شعبها، وسقطت في بلبلة الطوائف والمذاهب، وكذلك الأمر في الاتحاد السوفييتي، عندما وُضع الجاهل
مكان العالم.
آخر الأخبار