الأربعاء 02 أكتوبر 2024
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى

يا ولاة الأمر... قال نابليون: "لا نحكم شعباً إلا بأن نريه المستقبل فالقائد هو تاجر الأمل"

Time
السبت 17 يونيو 2023
View
11
السياسة
كتب ـ أحمد الجارالله:

قال الفيلسوفُ الصينيُّ لاوتسي: "أفضل قائد، هو الذي يُدرك مشاعر الناس ومطالبهم، ولا يكادون يشعرون بوجوده، وهو من يتكلم قليلاً، وعندما ينتهي عملُهُ ويتحقق غرضُهُ سيقولون جميعاً لقد فعلنا ذلك بأنفسنا"، وهو يعني بهذا بناء الثقة المتبادلة بين الحاكم وشعبه.
إذ صحيح أن لكل حاكم أسلوبه في إدارة دولته، ديمقراطية كانت، أو ملكية، أو برلمانية، إلا أن العبرة تبقى في صياغة الأوامر، وهو فن يحتاج المسؤول إلى إتقانه، إذ لا شيء يستحوذ على العقول أكثر من لطف العبارة.
وفي هذا الشأن يُروى أنَّ ملكاً في إحدى الممالك القديمة أصدر أمراً قضى بمنع النساء من التزين بالذهب والحلي، فكانت ردة فعلهنَّ كبيرة، وامتنعن عن الطاعة، وبدأ التذمر والسخط والاحتجاج، بل بالغن بالتزين.
أمام هذا الوضع اضطرب الملك واحتار في ما يفعل كي يخمد شرار الفتنة التي صنعها بيديه، فأمر بعقد اجتماع للمستشارين وأركان الحكم، وفي الاجتماع اقترح أحدُهم التراجع عن القرار "للمصلحة العامة"، فيما قال آخر: "لا، التراجع مؤشر ضعف وخوف، ويجب أن نظهر قوتنا"، وانقسم الجمع بين مؤيد ومعارض، حينها طلب الملك إحضار حكيم المدينة، وطُرحت عليه المشكلة، قال للملك: "لن يُطيعك الناس إذا كنت تفكر فيما تريد أنت، لا فيما يريدون هم".
فسأله الملك: "وما العمل؟ أتراجع إذن؟".
قال الحكيم: "لا، لكن أصدر قراراً ملحقاً بمنع تزين الجميلات بالذهب والحلي وكل أنواع الزينة؛ لعدم حاجتهنَّ للتجمُّل؛ لأنهنَّ في الأصل جميلات، واستثنِ القبيحات وكبيرات السِّن من التزين بالذهب؛ لحاجتهنَّ إلى ستر قبحهنَّ ودمامة وجوههنَّ".
عمل الملك بمشورة الحكيم وأصدر القرار، وما هي إلا سويعات حتى تخلت النساء عن الزينة، وأخذت كل واحدة منهنّ تنظر إلى نفسها على أنها جميلة، ولا تحتاج للزينة والحلي.
في اليوم التالي قال الحكيم للملك: "لقد أطاعك الناس عندما فكرت بعقولهم، وأدركت اهتماماتهم من نوافذ شعورهم".
صحيح أنَّ الملك لم يتراجع عن قراره، لكن الحكيم الفطن غَيَّر وجهته، بمعنى أخمد معارضة عارمة كادت تفتح أبواب الجحيم على الحكم والدولة، وتقسم الشعب، وتؤدي إلى ما لا تُحمد عُقباه.
لهذا فإنَّ العبرة من القصة أن أخطر أمر على الحاكم هم المستشارون غير الأكفاء، الذين يقدمون مصالحهم على شؤون الدولة، ويستغلون صلاحياتهم في تعظيم دورهم، فيما الإدارة الناجحة هي فن اختيار المساعدين، وأيضاً معرفة كيف يفكر الناس، وما يريدونه، وهو ما قاله منذ 2600 سنة الفيلسوف الصيني.
هناك كثير من الدول تسقط في فخ المساعدين الذين لا يمتلكون حصافة في تنفيذ القرار، ويصوغون الأمر وفقاً لما يرونه، وليس ما يخدم الحكم والدولة؛ لأنه لا يمكن استمرار نجاح دولة تقوم على الغش، فالغشاش يداري فشله بالتعمية على رسالة الحكم، ولا يرى الأهداف التي تخدم القائد الذي لديه رسالة واضحة ومحددة في ذهنه، ورؤية مستقبلية، لكنه لا يدرك كيف الوصول إلى نقطة النهاية، لذلك يستعين بالمساعدين الذين يعملون على تهيئة الأرضية الصالحة للوصول إلى الهدف، وفي هذا الشأن فإنَّ المأثور عن نابليون بونابرات قوله: "لا نحكم شعباً إلا بأن نريه المستقبل، فالقائد هو تاجر الأمل"، وهذا لا يتحقق إلا بالحكمة التي يستقيها الحاكم من المُخلصين في إدارته.
لهذا قال اللهُ سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ..."، وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف: "المستشار مؤتمن"، فالعبرة هي كما قال الأوَّلون: إنَّ القائد الناجح هو مَنْ يُوازن بين ثقافة القيادة ومبادئها مع المزاج العام لأتباعه.
آخر الأخبار