الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

يا ولاة الأمر... هل نحن نصرخ في بئر بلا قرار؟

Time
السبت 29 يوليو 2023
View
56
السياسة
قال القائد القرطاجي هانيبال قبل 1600 عام: "إذا لم نجد طريق النجاح فعلينا أن نبتكره"، وثمة مثل إيطالي أردده دائماً، وهو: "إذا وجدت الرغبة وجدت الطريق"، ولا شك أن الجميع يعرف ماذا قدم هذا القائد لبلاده، لأنه ابتكر الطريق إلى نجاحها، تماما مثل رغبة الرئيس الصيني الراحل دينغ شياو بينغ الذي عاصر ولادة الصين الشعبية، وعايش أزماتها منذ عام 1945 حتى وفاته، وكان أهم محرك للثورة الصناعية في الصين.
هذا القائد الشيوعي عندما خلف هوا جيو فينغ ورث دولة على شفير الإفلاس، وتعاني من أزمات عدة هي في الأصل من تبعات المجاعة الكبرى التي تسببت بها قرارات ماو تسي تونغ، لذا حين تسلم زمام الحكم كان أول ما فعله التخطيط للنهوض بالبلاد، فيما كان الحزب الشيوعي الحاكم يعاني من توزع القوى فيه، بما لا يفسح المجال لأي نشاط اقتصادي خارج إدارة تلك المراكز، لذا عمد إلى مراسلة جامعة بريطانية للاستعانة بخبراء اقتصاد، فاختارت الجامعة إلياس كوركيس، البريطاني من أصل عراقي، ومنحته صلاحيات كاملة.
كانت هناك دوائر حزبية تعارض هذا الاقتراح لكن شياو بينغ أصرّ على موقفه، وقال كلمته الشهيرة عام 1978 "إن الصين تحتاج إلى نصف قرن من أجل النهوض"، لكن وفقاً للخطة التي وضعها كوركيس تحولت في غضون عقدين إلى أكبر قوة صناعية في العالم، واليوم أصبحت ثاني اقتصاد في العالم، وهي على أعتاب أن تتحول للاقتصاد الاول.
هذا المثال ليس يتيماً في الدول، فهناك سنغافورة، الجزيرة التي كانت تعيش الفقر والمرض، بسبب التخلف وعدم وجود موارد طبيعية فيها، لكن قيض الله لها رئيس وزراء أدرك منذ البدء أن التحول إلى نهضة بلده يحتاج إلى طموح وعزيمة، فعمل لي كوان يو على النهوض بالتعليم، وجعل راتب المدرس من أعلى المداخيل في الدولة، وخلال عقدين بعد الانفصال عن ماليزيا كانت الجزيرة تحقق دخلا قوميا بلغ 340 مليار دولار، وأصبحت السابعة عالمياً بمعدل دخل الفرد (نحو 62 ألفا ونصف دولار سنويا)، بالإضافة إلى إنشاء سوق حرة عالمية.
هذه المعادلات وقف خلفها رجل واحد، لديه طموح، وعزيمة على الوصول إلى الهدف الأسمى، وهو تقدم الدولة، وإلى ما يحقق قوة الاستمرارية لها من دون أزمات، ولم يخضع أي منهم للدولة العميقة والمتمصلحين، بل أحيانا يستطيع وزير واحد تحقيق معجزة لبلاده كما فعل المستشار الألماني السابق لودفيغ إيرهارت، الذي طبق نظرية اقتصاد السوق الاجتماعي، حين وكان وزيرا للاقتصاد، وحقق معجزة اقتصادية بعد خروج ألمانيا مدمرة تماماً من الحرب العالمية الثانية.
نعم، دائما هناك قدرة للتغلب على الأزمات، حين توجد الرغبة، ففي الهند التي كانت تعاني إحدى ولاياتها من الفقر والأمراض والجهل، ويحلم شبابها بالهجرة، كان العالم الدكتور المهندس باليغا، رئيس مؤسسة تطوير الإلكترونيات الحكومية الهندية، يومها يسأل نفسه دائما: لماذا نجعل أولادنا يهاجرون للشركات الأجنبية، ولماذا لا نجعلها هي التي تهاجر إلينا؟
لذا يعمل على إنشاء مدينة إلكترونية لصناعة تقنية المعلومات، لتعليم وتأهيل مليون طالب هندي لتكنولوجيا المعلومات، وقد وثقت به الحكومة، ومنحته الصلاحيات الكاملة، وخصصت منطقة كبيرة في جنوب بنغالور لتنفيذ ما أسماه "مجمع المدينة"، وإنشاء سبعة معاهد تكنولوجية متطورة، ألحق بها نحو 50 ألف طالب متفوق، وأعطى كل دارس "لابتوب" وخط إنترنت مجاناً.
بعد ذلك بعث 2400 طالب متفوق ليتعلموا في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا، ومن رجع من هؤلاء علم غيره، أما الذين استقروا في الخارج فاستمروا بزيارة المجمع كل عام لمدة شهر لنقل خبراتهم، ولكي يشجع الشركات الأجنبية على الاستثمار في الهند منحها الأرض مجانا وأعفاها من الضرائب إذا تم تشغيل ألف هندي في كل شركة.
مع مرور الوقت، انتقلت إلى الولاية أكبر 103 شركات تكنولوجية عالمية، وبعد أن تعلم الهنود منهم فأنشأوا نحو 1500 شركة للبرمجة، وحينها قررت الحكومة الهندية إنشاء ثلاث مدن إلكترونية في مختلف البلاد.
الآن مدينة بنغالور وحدها تصدر برامج وخدمات تكنولوجية بنحو 33 مليار دولار، وزاد متوسط دخل الفرد 11 مرة، ولم يقف طموح الهند عند هذا الحد، فهي حاليا تدرب نحو أربعة ملايين طالب في 1832 مؤسسة تعليمية متخصصة في التكنولوجيا الحديثة لتلحق بركب التطور.
أيضاً، عربياً وخليجياً، ثمة مثال، إذ قبل أن يتولى الملك سلمان الحكم ويعين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، كانت السعودية على شفير الإفلاس، لكنه أحيا الدولة، بفضل المبادرات الشجاعة التي قادها الأمير محمد بن سلمان، وها هي اليوم السعودية تتحول خلال أقل من عشر سنوات قبلة دولية اقتصاديا، وتزدحم بالمشاريع المنتجة، ويفد إليها العالم كله من أجل السياحة والاستثمار.
مما لا شك فيه أن الدول التي اعتمدت على تغيير منهجية التعليم، والإدارة استطاعت تحقيق النهضة، لكنها قبل ذلك كان لدى قادتها الرغبة والطموح، فهل تحقق الكويت ذلك، لأننا لا نريد أن نقرأ على بلدنا السلام؟ إذ لا نريد أن نقول إننا نصرخ في بئر.

أحمد الجارالله
آخر الأخبار