الاثنين 30 سبتمبر 2024
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
"يارب أمي وأبوي يتسامحون"
play icon
كل الآراء

"يارب أمي وأبوي يتسامحون"

Time
الاثنين 14 أغسطس 2023
View
549
سلمان بن محمد العُمري

وصلتني صورة مؤثّرة حول خلافات الوالدين، وأنّها معركة ميدانها مشاعر الأبناء، وتضمّنت قول معلم لطلابه: "كل واحد يكتب دعاء". فكتب أحدهم "يا رب أمي وأبوي يتسامحون"!
وما سطّره الطفل في طلبه من والديه وقف الخلاف والشجار الدائم بينهما، وبالقدر الذي كانت الرسالة معبرة ومؤثرة، فان هذا الطفل امتلك شجاعة أدبية وعبر عما داخله.
لكن هناك من الأطفال من لا يستطيع التعبير ولا الشجاعة الأدبية، وهو يحترق من الداخل، ويؤثر ذلك عليه في طفولته وربما مستقبله، لذا فليفطن الأبوان لما يؤثر على أبنائهما، فإن لم يعملا على كظم غيظهما وانفعالاتهما، فلا أقل من كبت ذلك الانفعال والتشنج والغضب، وما يتبعه أمام الأبناء.
المتخصصون في مجالات علم النفس والتربية والسلوك، وغيرهم من عامة الناس، يجمعون على أن العلاقة بين الوالدين لها تأثير بالغ على الصحة النفسية لأبنائهما، وهي علاقة طردية، فإذا كان يسودها التفاهم والحب والاتفاق كان الأثر إيجابياً، وإن كانت أساسها الشجار والصراع الدائم واللامبالاة، كان الأثر سلبياً على صحة الطفل النفسية، لأنه سيشعر بعدم الطمأنينة وعدم الأمن في ظل والديه.
الأسرة من أهم عوامل التنشئة على الطفل وبناء شخصيته، وحياته المستقبلية، وللوالدين أثر كبير في التوجيه والإرشاد والتقويم.
وإذا كان هناك إجماع على أثر المنزل في التكوين النفسي، والاجتماعي، والسلوكي، بل حتى التحصيل العلمي على الأبناء، وامتداد هذا التأثير النفسي حتى على شخصيتهم الإيجابية مستقبلاً، فإن إخلال الوالدين بهذا الدور سيؤثر بكل تأكيد على أبنائهما.
وخلف كل أبناء متفوقين، علمياً وعملياً واجتماعياً وسلوكياً، أسرة متميزة تربوياً، ومستقرة اجتماعياً، والفقر والغنى ليس لهما تأثير كبير على التحصيل، والاكتساب، والسلوك بقدرالتأثير الناتج عن الأساليب التربوية للوالدين والعلاقة بينهما.
ولعلّي أنبّه إلى أمر مهم، وهو ما يتعلق بالعلاقة بين الوالدين وتأثيرها على الأبناء، فالبيوت التي شهدت اضطراباً في العلاقة بين الوالدين والشجار العلني أمام أطفالهما، وتبادل السباب والشتائم أمام الأطفال، بل وتعدّي ذلك بالاعتداء البدني فهي بلا شك اثرت على البناء السلوكي لأبنائهما، وهو ما يؤكّده المتخصصون في الدراسات النفسية: إن سلوك الوالدين يؤثر على الطفل تأثيراً مباشراً من حيث الشخصية والصحة النفسية.
فالطفل يتأثر كثيراً لمراقبته سلوك والديه، فهما يكوّنان أنموذجا للطفل من خلال ما يقدّمانه أمام طفليهما، فإذا كانت هذه النماذج صالحة ستترك بلا شك أثراً حسناً على شخصية الطفل، وبالتالي كان لها التأثير الإيجابي على صحة الطفل النفسية، وفي حالة فساد هذه النماذج الصادرة عن الوالدين ستترك أثراً سيئاً من دون شك أيضاً على شخصية الطفل وسلوكه، وبالتالي سيتقمصها الطفل وتعتبر اتجاهات سلبية وسلوكا غير عادي "لا سوي"، وإذا كان الابن يصبح ويمسي على شجار الوالدين وخصامهما، أو يرى القطيعة والهجر بينهما، وعدم احترامهما بعضهما بعضا سيؤثر ذلك على نفسيته وسلوكه، وفي قابل الأيام، ويؤدي ذلك إلى أنماط مضطربة في السلوك لدى الطفل كالأنانية، والغيرة وحب المشاجرة، وعدم الاتزان.
ويؤكد المتخصصون أيضاً أن السعادة الزوجية تؤدي إلى خلق الجو المناسب الذي يساعد على نمو الطفل، وتكوين شخصيته المتكاملة، فالوفاق والوئام بين الوالدين يؤدي إلى إشباع حاجات الطفل، كالحاجة إلى الأمن، والحماية، والتوافق النفسي، والصراع بين الوالدين والمشكلات المستمرة، يؤديان إلى نمو الخبرات اللاسوية لدى الطفل، ويساعد ذلك إلى أن ينمو الطفل نمواً غير سوي.
وكثيراً ما يشعر الطفل ويتألم لمجريات العلاقة غير المثالية بين الوالدين فضلاً عن التأثر، الحالي والمستقبلي، حيث يحدث اضطرابات في النوم، وتناول الطعام لدى الأطفال، كما يتصرفون بشكل عدواني، ولا يفضلون التواجد في أي تجمع، وقد تحدث بعض الإصابات أو التغيرات الجسدية عليهم.
ولا يقف الأمر عند ذلك، بل ربما امتد السلوك العدواني الى مرحلة المراهقة والبلوغ، وتطور إلى أعمال إجرامية وجنائية، ومعظم من يتورطون بمشكلات وجرائم من الأحداث والمراهقين، بل وحتى الرجال، فإن من العوامل المسببة لذلك خلل في التربية بعامة، ومنها البيت فإهمال الوالدين، وانشغالهم، وإهمالهم،ووضع الابناء بيد الآخرين من دون أن يكون للوالدين بصمة وتأثير، أو القيام بسلوكيات خاطئة أمامهما، وبالتالي انعدام القدوة، أو نهج أساليب مفرطة في القساوة والدلال الزائد، وكذلك ما تم عرضه قبل قليل ألا وهو توتر العلاقة بين الوالدين.

كاتب سعودي

سلمان بن محمد العُمري

alomari [email protected]

آخر الأخبار