الأولى
/
الافتتاحية
يحيى البرمكي لابنه: دعوة مظلوم رمتنا بالسجن وقطعت ذريتنا ... والإمام الشافعي ناصحاً هارون الرشيد: كُلُّ عيبٍ يُغطيه السَّخاءُ
السبت 16 أبريل 2022
250
السياسة
أحمد الجاراللهصاحب السمو الأمير، جميعنا نعرف أنك رجلٌ زاهدٌ، بل ناسكٌ، مُتفرِّغٌ لله -عز وجلَّ- وهمُّكَ إقامة العدل بين الناس، ولا شكَّ أنَّ هذا الأمر متعبٌ لرجل دولة، إذ تحتاجُ قراراتُهُ أحياناً بعض القسوة، أو الأذى، أو تكون ليست على هوى النفس، ولا تعجب بعض المقربين.سمو ولي العهد الأمين،يشهدُ اللهُ إنَّ الكويتَ كلَّها فرحت لتوليك منصبك هذا، ويعلم الله كم أن هذا الشعب المُحبَّ لكم توقع الكثير من سموكم، ولايزال، من أجل تصويب مسار الشأن العام، وقطع دابر التمصلح الذي أفسد المؤسسات، ووقف التعدي على المال العام، الذي وصل إلى عدم خجل المُعتدين مما يرتكبون.صاحب السمو الأمير،سمو ولي العهد،لقد أمرنا اللهُ أن نؤدي الأمانات إلى أهلها، وحين عرّف نبيُّنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- الدين قال: "الدين النصيحة"، لذا كمواطن ناصح يهمه أمر وطنه، واستقراره، أضع أمام سموكما بعض ما يُعانيه الشعب، وأتحدث بصراحة المُحبِّ، فالجميع يعرف أن أمور البلاد ليست بخير، ولا نبالغ إذا قلنا: إنهم يشعرون بعدم الاطمئنان من المسار العام للدولة، ويرون أن ذلك يحتاج إلى حسم بقوة، وعزم على التغيير.يا أولياء الأمر،مما أذكر أنه حين تسلَّم الملك سلمان بن عبدالعزيز سدة الحكم قال: "ثمة كلمة أكررها دائماً، رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، إذا رأيتم أو رأى إخواني المواطنين أي شيء فيه مصلحة لدينكم قبل كل شيء ولبلادكم، فأهلاً وسهلاً بكم، وأكرر أبوابنا مفتوحة، وهواتفنا مفتوحة، وآذاننا صاغية لكل مواطن".وفي أحد المجالس المفتوحة للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، باني نهضة دبي قال: "لا يطربني المدح، بينما أصغي للنقد البنّاء، فالمادح أجفو عنه، والقادح أسمعه حين يكون صاحب رؤية تخدم دبي والإمارات ومستقبلهما".كذلك كان المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، رحمه الله، يفسح في المجال للناصحين من أبناء عمان، وكان يحرص في جولاته الميدانية على ولايات السلطنة أن يستمع إلى المواطنين بإنصات، ويناقشهم بشفافية، ويطيل الاستماع إلى مظالمهم ونصائحهم.ثمَّة الكثير من أمثال هؤلاء القادة الذين سعوا إلى بناء دولهم، ورخاء شعوبهم كانوا يثمنون النصحية، ويقدرون عالياً صاحبها، ومثلهم، أيضاً، ممن حفظ التاريخُ سيرَهُم.عندما انقلب البرامكة على هارون الرشيد، قُتل مَنْ قُتل منهم، وسُجن كُثُرٌ، قال خالد البرمكي لأبيه يحيى وهما في الحبس: "يا أبتاه، بعد الأمر والنهي، والأموال العظيمة، أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف والحبس؟!"،فقال له أبوه: "يا بُني، دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها"، وأردف:"تنام عيناك والمظلوم مُنتبهٌيدعو عليك وعينُ اللهِ لم تنمِ"إن أخطر تهديد للدول أن يكون فيها مسؤولون يؤمنون أن لا شيء في الدنيا ينزع عنهم قوتهم، أي هم ومن بعدهم الطوفان.أيضاً في عهد هارون الرشيد كان والي اليمن ظالماً، وصمم على التخلص من الإمام الشافعي، فأرسله إلى بغداد مخفوراً وحمّل الحارس رسالة كتب فيها: "إن هذا الشخص من المُطلبية يدعو إلى العلويين"، وحين وصل الإمام الشافعي إلى هارون الرشيد وهو مكبل، قرر الخليفة إعدامه فوراً، فقال الشافعي: "على رسلك يا أمير المؤمنين، أنت الداعي وأنا المدعو، وأنت القادر، وأنا لا أقدر على شيء، ألا تسمعني؟". فقال هارون: "بلى أسمعك"، فرد الشافعي: "يا أمير المؤمنين، أرأيت أحدهم يدّعي أنه أخي والآخر يدعي أنني عبده، فأيهما أقرب إليك؟"، أجابه: "الذي يدعي أنه أخوك"، فقال الشافعي: "أنت يا أمير المؤمنين أخي، والعلويون يدّعون أننا عبيد"، فحين وجده الخليفة عالماً كبيراً عفا عنه، بل قال له: "هل من نصيحة تؤديها إلى الخليفة؟".وكانت نصيحة الشافعي قصيدة طويلة، وكان مما قال فيها:" دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُوَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُوَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَياليفَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُوَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداًوَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُوَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَراياوَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُتَسَتَّر بِالسَّخاءِ فَكُلُّ عَيبٍيُغَطّيهِ كَما قيلَ السَّخاءُوَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاًفَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ".فأمر هارون بتكريم الإمام الذي قال: "يا أمير المؤمنين، لقد مَثلت بين يديك، وقد أبرأتني مما اتهمت به ظلماً، لكن يا سيدي ثمَّة الكثير من المظلومين في السجن، فيا حبذا لو شملتهم بعين عطفك".قال هارون: "كيف ذلك، وأنا أمرت ألا يظلم أحد في عهدي، هل تعرف هؤلاء؟".أجاب الشافعي: "لقد قصَّ عليَّ السجان الكثير من حكاياتهم، وما عليك إلا أن تسمع منه فهو الأقدر على معرفة الذين كانوا ضحية سوء استخدام ولاتك على الأمصار سلطتهم".الكويت مليئة بما يجب على صناع القرار أن يُعالجوه، وما يؤدي إلى اطمئنان الناس، ورفع المُعاناة عنهم، فثمَّة مظالم كثيرة وكبيرة سببها عدم العدالة بتوزيع الثروة، إذ إن أموالاً من رسوم وضرائب تُدفع ويُفترض أن تذهب إلى الفقراء والمُحتاجين، لكنها تُنهب، وتذهب إلى جيوب الأغنياء.أخيراً، يا أولياء أمرنا، لأن "الدين النصيحة" فإنني أضع بين أيديكما هذه الأسطر... اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.