الأحد 06 يوليو 2025
41°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

ينبغي عزل التركيبة السكانية عن مزاج الشعبويين

Time
الاثنين 22 يونيو 2020
View
5
السياسة
حسن علي كرم

ضج المواطنون مع ظهور وباء فيروس" كورونا" جراء الفوضى التي عمت البلاد، ولا سيما من العمالة غير المنتظمة، او تلك المعروفة شعبياً بالعمالة السائبة، وعلت وتيرة الضجر، والانتقاد، بعد انكشاف المتاجرين بالبشر، والمتربحين بتجارة محرمة ومجرمة قانوناً ودينياً وانسانياً، وحسناً فعلت وزارة الداخلية عندما تشددت ومحصت وتعقبت المتهمين بالتجارة النجسة، فألقت القبض على بعض المشتبهين، وأوقفتهم على ذمة التحقيق، وما زال التحقيق مستمرا.
قد يكون هناك اخرون مثل الفيروسات لا يزالون مندسين بين صفوف الشعب لم تصلهم العيون الساهرة من رجال الأمن المخلصين، فلئن كان هناك رؤوس كبيرة تتاجر بالبشر، هناك ايضاً الصغار الذين يتاجرون على قدر حجمهم، كأن يطلب الواحد منهم اربع خادمات، ولا يحتاج الا الى واحدة، او قد لا يحتاج فيرميهن في سوق النخاسة، او يطلب سائقا او مزارعا او طباخا، فيرميهم في الشارع بعدما يكون قد قبض ثمن تجارته، ضاحكاً متفاخراً بنفسه.
ربما انكشاف النائب البنغالي تاجر الإقامات بمثابة قمة الجبل لقاعدة كبيرة من صغار التجار، وانكشافه قد يفتح الابواب على تجار اخرين ليسوا بالضرورة من الصنف ذاته او الجنسية ذاتها.
نحن إزاء دولة تزداد فيها الشبهات وتقل الحسنات، فالقوانين، وما أكثرها موجودة لكنها محفوظة في البرادات، او في الصناديق الحديد برسم الحفظ فقط، لكن لا للتنفيذ، فيما يلعب النصابون و"الحيالون" و"الجنبازيون" في الساحة، ابطالاً تُنكس لهم الهامات وتركع لهم أضخم الكروش والبشوت والشوارب، وتفسح لهم المقاعد التي تتصدر المجالس، وتحرق لهم المباخر، وتأتي لهم فناجيل القهوة المعطرة بالهيل والمسمار، واذا ناسب الجو اهتزت لهم اكبر المؤخرات بالرقص، والتمايل بالزفان ورهز المؤخرة بما يثير الشهوة والإضحاك، ولا بأس اذا تحولوا قرودا وارجوزات فكل شيء يهون مقابل الدنانير والدولارات، ان الزمن لم يتغير فالتاريخ ثابت والمتغير هو الاشخاص!
وفي هذه الاجواء القذرة والملتبسة، اكتشفنا ان التركيبة السكانية مختلة، مع ان اختلال التركيبة ليس وليد اليوم، موجود منذ عقود، لكنه ازداد سوءا بعد التحرير، حين انفتحت أبواب البلاد لعوير وزوير واللي مافيه خير، والواقع نحن بايدينا خربنا بلدنا، بشهوة المال وضعف الرقابة، وغياب التنفيذ سبب كل البلاوي اللي الان تعانيها البلاد.
تأتي حكومات ضعيفة، وخلف كل ضعيفة يأتي موظفون غير اكفاء، غائبون عن المتابعة الصارمة، فالعيب ليس في القوانين، انما في موظفين ضمائرهم غائبة، ولذلك لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والتغيير ممكن متى ادركت الحكومة بوزرائها وقيادييها انهم يقودون دولة، وأمانة الامة والمسؤوليات مضاعفة ازاء القسم بالامانة والاخلاص، فترجمة الأمانة والاخلاص ليس بالتربع على الكرسي الوثير، والمباخر، والبشوت والقهوة المهيلة.
الأمانة تقتضي من كل مسؤول، وفقاً لدرجة منصبه ان يؤدي وظيفته كما يريده الله والمعاش الذي يقبضه في اخر كل شهر، هذا بخلاف العلاوات، والمكافآت والاجازات وخلاف ذلك، اذ لن تتقدم الدولة في ظل ضعف الرقابة وغياب الضمير.
سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد في تصريح عابر قال في شأن معالجة التركيبة السكانية:" نأمل ان نصل الى 70 في المئة مواطنين و 30 في المئة وافدين"، قطعاً هذا طموح وليس قرارا، من هنا، علينا ان نعترف انها(التركيبة السكانية) مسألة فنية، لا ينبغي ان تخضع لضجر العوام، انما ربطها بمسائل التنمية واحتياجاتها، نحن دولة صغيرة، وعدد سكانها من الصغار والكبار، والشباب والشيبان، والنساء والرجال لا نتجاوز مليون ونصف المليون نسمة، بمعنى ان ثلاثة ارباع هؤلاء خارج منظومة العمل، لذلك فالاستعانة بالآخرين مسألة عادية، لا تنقص من هيبة الدولة.
الصين ذات المليار والأربعمئة مليون نسمة لا تتوانى عن الاستعانة بخبرات الاخرين، وصنوها جارتها الهند ذات المليار والثلاثمئة مليون تستعين بعمالة وخبرات اجنبية، وقِس على هذا دول مثل ماليزيا وتايلند ودول غربية ولاتينية.
الخيار ليس بعدد العمالة، انما بالنوعية والحاجة، لذلك دراسة التركيبة السكانية لا ينبغي ان تخضع لامزجة الشارع، بقدر خضوعها للدراسة الفنية ولخبراء في السياسة السكانية، اي ينبغي ان تخضع لرأي المتخصصين، وهنا نتساءل: اين مجلس التخطيط، اليس من أولى مهماته دراسة التركيبة السكانية وربطها ببرامج التنمية؟
نعود مجددا الى القول لا يعيب ولا ينقص من هيبة الدولة الاستعانة بالأجانب، فالكويت الحديثة بنيت بسواعد ابنائها وسواعد الوافدين، وما العيب اذا استمر الاخوة الوافدون وشاركوا ابناء الكويت في البناء والتنمية، فالعالم كله لخدمة بعضه بعضا، لكن المطلوب ان نعي ماذا نريد ومن نريد، وما احتياجات التنمية؟
لا ينبغي ان نحصر العمالة الوافدة بدولة او اثنتين لأسباب سياسية او للمجاملات الرخيصة، ولا ينبغي تسليم رقاب العمالة الوافدة الى شهوة الاستعباد والاستغلال، اتركوا لاهل الاختصاص ان يحددوا حجم السكان والعمالة المطلوبة، وما يتطلب ذلك من مراجعة سنوية متلازمة مع خطط التنمية والموازنات العامة، فالدولة المتطورة الطموحة لا تخضع لامزجة العوام والعابثين وقصيري النظر، فهناك خطط وبرامج وهناك الحاجة، وغير ذلك باختصار، لا طبنا ولا غدا الشر، وسوف نستمر في دائرة الفشل والتعثر.

صحافي كويتي
[email protected]
آخر الأخبار